تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ماء، ثم قذفوا فيه الآنية". فمراجعة الحباب للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه لم تتم، كما رأينا، إلا بعد أن تيقن من خلال سؤاله للرسول نفسه أن اختياره صلى الله عليه وسلم لذلك الموضع لم يكن مبنيا على وحى نزل بشأنه، بل هو اجتهاد منه عليه الصلاة والسلام. ولأنه يعرف من القرآن أن الشورى قيمة كبيرة من قيم الإسلام لم يتردد لحظة واحدة عن إبداء رأيه فى ذلك الاختيار، ونزل النبى على مشورته، وكانت مشورة مباركة.

أما على الضفة الأخرى فها هو ذا نص يرينا أنه حين يكون هناك وحى من السماء فإن النبى والصحابة لا يملكون إلا النزول على هذا الوحى. ومرة أخرى نفتح "السيرة النبوية" لابن هشام، ولكنْ هذه المرة على غزوة الحديبية وما وقع عقب وثيقة الصلح، التى رأى عمر بن الخطاب أن فيها إجحافا بالمسلمين: "فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر، الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ألست برسول الله؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: أنا عبد الله ورسوله. لن أخالف أمره، ولن يضيعني! قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمتُ به، حتى رجوت أن يكون خيرا". فانظر كيف ظن عمر فى البداية أن الأمر ما هو إلا اجتهاد من النبى عليه السلام لم ينزل فيه وحى. لكنه حين عرف أن النبى لم يفعل شيئا من تلقاء نفسه، بل كان الأمر وحيا من الله له، تراجع على الفور وشعر بالذنب وظل فترة طويلة يصوم ويصلى رجاء أن يغفر الله له هذا الموقف، الذى لم يقصد به مع ذلك إلا وجه الخير.

ولا يكتفى نصر أبو زيد بهذا، بل يزيد فيزعم أن تدشين الشافعى للسنة المحمدية مصدرا من مصادر التشريع يحولها من لانص إلى نص. وهو حين يقول هذا يقوله على سبيل الاستنكار، إذ لا يرى للسنة النبوية المطهرة مدخلا فى عملية التشريع (انظر ص31 - 32 من كتاب "الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولوجية الوسطية"/ سينا للنشر/ 1992م). فكيف بالله يصح هذا، والسنة فى الجانب الأكبر منها هى نصوص قالها النبى عليه السلام؟ بل لقد تحولت أفعاله أيضا إلى روايات يتناقلها المسلمون، فأصبحت هى أيضا بذلك نصا. فكيف يصفها بأنها لانص؟ وهل الشافعى هو الذى جعل من السنة مصدرا من مصادر التشريع؟ أم هل النبى هو الذى فعل ذلك؟ تعالوا نقرأ هذين الحديثين مثلا: "قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (حين أرسله إلى اليمن ليقضى يين المسلمين هناك): بم تحكم؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله"، "لا أُلْفِيَنَّ أحدَكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم هذا القرآن. فما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه. ألا وإني أُوتِيتُ الكتابَ ومِثْلَه معه".

وحتى لو يكن النبى هو الذى جعلها كذلك فهل كان الشافعى وحده من بين الفقهاء وعلماء الدين هو الذى جعلها كذلك؟ لقد كان علماء المسلمين قبل الشافعى يتخذون من السنة مصدرا للتشريع، اللهم إلا ناسا قليلين جدا أشار إليهم الشافعى، لكنه لم يسمّهم لأنهم ليسوا بذوى خطر ولا أهمية، ولم يكونوا يعترضون على السنة كلها بل على ما ليس له حكم فى القرآن المجيد. فلم يكن الشافعى ابن بجدتها إذن رغم الخدمة العلمية الجليلة التى أداها لذلك المصدر التشريعى الكريم. وحتى لو لم يكن هناك مثل هذين الحديثين، أليس ينبغى أن يأتى النبى بعد القرآن فى ترتيب مصادر التشريع بوصفه المتلقى الأول لكتاب الله والمطبق الأول له والمتصل مباشرة بالسماء، فهو يعرف كيف يطبقه تطبيقا صحيحا؟ أم ماذا؟ ثم إن فى السنة تشريعات وأحكاما لم ينزل بها القرآن، وشروحا لما أجمله القرآن. ومن ذلك قوله عليه السلام: "إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير