" إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف ... وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول " انتهى.
2 - الأمور التي لا تتعلق بتبيلغ الرسالة والوحي.
وأما صغائر الذنوب فربما تقع منهم أو من بعضهم، ولهذا ذهب أكثر أهل العلم إلى أنهم غير معصومين منها، وإذا وقعت منهم فإنهم لا يُقرون عليها بل ينبههم الله تبارك وتعالى عليها فيبادرون بالتوبة منها.
والدليل على وقوع الصغائر منهم مع عدم إقرارهم عليها: - قوله تعالى عن آدم: " وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) طه / 121 - 122، وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم – عليه الصلاة والسلام -، وعدم إقراره عليها، مع توبته إلى الله منها.
- قوله تعالى " قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضلٌ مبين* قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " القصص/15،16. فموسى – عليه الصلاة والسلام - اعترف بذنبه وطلب المغفرة من الله بعد قتله القبطي، وقد غفر الله له ذنبه.
- قوله تعالى: " فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب * فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " ص / 23،24، وكانت معصية داود هي التسرع في الحكم قبل أن يسمع من الخصم الثاني.
وهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - يعاتبه ربه سبحانه وتعالى في أمور ذكرت في القرآن، منها:
- قوله تعالى " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم " التحريم /1، وذلك في القصة المشهورة مع بعض أزواجه – صلى الله عليه وسلم -.
- كذا عتاب الله تعالى للنبي – صلى الله عليه وسلم - في أسرى بدر:
فقد روى مسلم في صحيحه (4588) " قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -: " ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ " فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة , أرى أن تأخذ منهم فدية , فتكون لنا قوة على الكفار , فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " ما ترى يا ابن الخطاب؟! " قال: قلت لا، والله يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان - نسيبا لعمر – فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر قاعدين وهما يبكيان، قلت: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " أبكي للذي عَرَضَ عليّ أصحابُك من أخذهم الفداء، لقد عُرِض عليّ عذابُهم أدنى من هذه الشجرة " – شجرة قريبة من نبي الله – صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض " إلى قوله: " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " الأنفال / 67–69، فأحل الله الغنيمة لهم.
ففي هذا الحديث اتضح أن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للعفو عن الأسرى إنما كان أمرا اجتهاديا منه بعد مشاورة أصحابه، ولم يكن عنده صلى الله عليه وسلم فيه من الله تعالى نص.
- قوله تعالى: " عبس وتولى * أن جاءه الأعمى " عبس /1 - 2، وهذه قصة الصحابي الجليل عبد الله ابن أم مكتوم الشهيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي عاتبه الله فيها.
قال شيخ الإسلام (مجموع الفتاوى: ج4/ 320):
" وعامة ما يُنقل عن جمهور العلماء أنهم (أي الأنبياء) غير معصومين عن الإقرار على الصغائر، ولا يقرون عليها، ولا يقولون إنها لا تقع بحال، وأول من نُقل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً، وأعظمهم قولاً لذلك: الرافضة، فإنهم يقولون بالعصمة حتى ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل " انتهى.
¥