تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(كنت قد ذكرت آنفاً لائحة بأسماء الباحثين الرواد، الذين ساهموا في الدراسات القرآنية بشكل علمي، وأدوا إلى تقدمها، وإلى تقدم معرفتنا العلمية بالقرآن، وربما كان القارئ قد لاحظ أني لم أذكر إلا أسماء مستشرقين، وعدم ذكري لأي مفكر مسلم يكفي لإلغاء دراستي هذه، أو الحط من قيمتها في نظر المؤمنين الأرثوذكسيين) [الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، أركون، 39].

ولا يتوقف الأمر عند القرآن بل حتى العقيدة الإسلامية (التي يسميها التيولوجيا) يرى أنها تحتاج لإعادة نظر بعد أن درسها المستشرقون، كما يقول أركون:

(فيما يخص الإسلام، فإننا نجد أن أعمال هنري لاوست وهنري كوربان؛ تكفي للإقناع بالحاجة الملحة إلى افتتاح تفكير تيولوجي آخر ومختلف قائم على أسس جديدة كلياً) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 121].

والتيولوجيا في نظر أركون هي كما يقول (علم أصول الدين يطابق ما نسميه اليوم بالتيولوجيا) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 171].

وهكذا فإن أصول الدين تحتاج عند أركون لإعادة قراءة بعد أبحاث المستشرقَين لاوست وكوربان.

حسناً .. لماذا يرفض المسلمون دراسات المستشرقين التشكيكية حول القرآن؟ هذا سؤال أرّق اركون، وطرحه في أكثر من موضع من كتاباته، وهو يرى أن المسلمين يرفضون هذه الدراسات الاستشراقية لأنها لا تدعم الأساطير التي يؤمنون بها! كما يقول أركون:

(من هنا نفهم السر في رفض المسلمين، بالأمس واليوم، للعلم الاستشراقي المطبّق على دراسة الحديث والسيرة والقرآن، فهذا العلم يحط من قدر المعرفة الأسطورية) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 175].

ويتحدث أركون بلغة حزينة مأتمية شفقةً على المسلمين لماذا يرفضون دراسات المستشرقين التي تشكك في القرآن، كتب أركون في هذه الشأن مقطوعات رثاء مبكية فعلاً، يرثي فيها لحالة المسلمين في يقينهم بالقرآن، ورفضهم تشكيكات المستشرقين، يقول أركون:

(حتّامَ يستطيع المسلمون أن يستمروا في تجاهل الأبحاث الأكثر خصوبةً وتجديداً؟ قصدت بالطبع أبحاث العلماء الغربيين الذين يدعونهم بالمستشرقين، أقول ذلك وأنا أفكر بأبحاث نولدكة، وجوزيف شاخت، وجوينبول عن الحديث النبوي، وغيرهم كثير، كلهم متجاهلون تماماً من قبل المسلمين، أو يُهاجمون من قبل الفكر الإسلامي دون تمييز. حتّامَ يُهملون، أو يُمررون تحت ستار من الصمت، أو يحذفون كلياً من الساحة الثقافية العربية أو الإسلامية؟ هل يمكن أن يستمر هذا الوضع إلى أبد الآبدين؟ ولمصلحة من؟) [قضايا في نقد العقل الديني، أركون، 54]

بعد هذه المقطوعة البكائية لأركون، وهذا اللطم والتفجع على عدم قبول المسلمين لتشكيكات المستشرقين في القرآن والسنة؛ من المهم التنويه إلى أن أركون برغم أنه يتظاهر أحياناً بنقد (الاستشراق الفيلولوجي) في مقابل الانتصار لما يسميه (الاسلاميات التطبيقية) أي تطبيق كامل العلوم الإنسانية، لا الاقتصار فقط على المنهج الألسني الفيلولوجي كما اعتاد على ذلك الاستشراق التقليدي؛ إلا أنه ومع ذلك كله فهو لا يعتبر الاستشراق التقليدي تجاوز في نقد الاسلام، بل يعتبره قصر في النقد فقط!

لنأخذ أمثلة على ذلك: تجد خطاً جديداً من "بعض" المستشرقين الجدد يسعون لأن يكونوا منصفين مع الإسلام، ويتجاوزوا خطأ الاستشراق التقليدي، فتراهم يثنون على بعض جوانب الإسلام، كثنائهم على عظمة القرآن وأخلاقياته، وهذا الأمر يؤلم أركون، فهو لا يريد أي إنصاف للإسلام والقرآن، يريد المستشرقين أن يمارسوا نقداً جذرياً، تأمل معي كيف يلوم أركون هذه الظاهرة الجديدة، ويعاتبهم لارتكابهم جريمة إنصاف، كما يقول:

(نسجل هنا ظهور كتب عديدة في المكتبات الفرنسية والانكليزية وغيرها، مكرسة للاسلام التقليدي والثوري، إنها مؤلفات مجامِلة وتبجيلية، وهي تؤخر من مجئ لحظة التجديد للفكر الإسلامي) [الفكر الإسلامي قراءة علمية، أركون، 110].

وتجد "بعض" المستشرقين، وخصوصاً المتأخرين منهم، يحاول أن يكون محايداً في قضايا شرعية معينة، فينقل فيها أقوال علماء الإسلام دون أن يتدخل ليبدي رأياً شرعياً، باعتباره مجرد قائ من الخارج، هذا الأمر يزعج أركون جداً، فهو يحرض المستشرقين على أن لا ينقلوا آراء علماء الإسلام، ويطلب منهم التدخل وإنتاج عقيدة وفقه شرعيين، يقول أركون عن هذا الاتجاه:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير