ونقول: إن الاختلاف بين ابن حجر وابن تيمية لم يكن إلا في التسمية، فالأول سماها خصائص، والثاني سماها فضائل ومناقب، ولا شك أن تسمية ابن تيمية أدق؛ لأن القول بأنها خصائص ينفي اتصاف سائر الصحابة بها؛ لأن علياً رضي الله عنه لم يختص دون سائر الصحابة -مثلاً- بأنه "رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ " ([9]) كما جاء في الحديث، وهذا لا ينقص من شأن ابن حجر؛ لأن ابن حجر كان بصدد جمع الأخبار الواردة في عليّ، أما ابن تيمية فكان بصدد الموازنة والتدقيق وتصحيح المصطلحات، وربما لو تبدل موقفهما لتبدلت المصطلحات والاستعمالات.
المسلك الثاني: وانتقل المؤلف إلي نوع آخر من كلام شيخ الإسلام، واستطاع المؤلف أن يستغل فيه دقة المسلك ليشغب على المقصود، ويضلل القارئ ويوهمه أن في الكلام تنقيصا لآل البيت الكرام.
وهو أن ابن تيمية رحمه الله لاحظ أن الروافض انساقت مع العصبية والغلو في آل البيت؛ مما انعكس على كثير من المبادئ الإسلامية بالإبطال، فانتصب لتقريرها ونفض الغبش عنها، ومثل هذا الموقف يكون الكلام فيه في غاية الدقة والحساسية؛ لأنه تقديم للمبادئ على الأشخاص، فقد يفهم من هذا من لا يحسن الفهم أن فيه تنقيص للأشخاص.
من هذه المبادئ مبدأ: أن الناس يسبقون بالعمل لا بالنسب، وأن تفاضلهم عند الله تعالى بالتقوى لا بالقرابة، هذا المبدأ الإسلامي العظيم قرره القرآن الكريم، وقررته كذلك السنة المباركة، يقول الله تعالى:? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "لاَ فَضْلَ لِعَرَبيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبيٍّ، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلاَ بالتَّقْوَى" ([10]).
ولكن الشيعة جعلوا مجرد القرابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مسوغ للتقديم بقطع النظر عن السبق في الإيمان والعمل الصالح؛ فجاء كلام ابن تيمية في كثير من المواضع مذكراً ومقرراً للمبدأ الصحيح. فكان مما قاله في هذا الصدد:"ولهذا حصل لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذا قنتن لله ورسوله وعملن صالحاً، لا لمجرد المصاهرة، بل لكمال الطاعة، كما أنهن لو أتين بفاحشة مبينة لضوعف لهن العذاب ضعفين لقبح المعصية" ([11]).
وقال أيضاً: وكذلك قول"اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ وَغَضَبِي عَلَى مَنْ أَهْرَقَ دَمِي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي" ([12]) كلام لا ينقله عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينسبه إليه إلا جاهل؛ فإن العاصم لدم الحسن والحسين وغيرهم من الإيمان والتقوى أعظم من مجرد القرابة، ولو كان الرجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأتى بما يبيح قتله أوقطعه لكان ذلك جائزاً بإجماع المسلمين" ([13]).
ومن أقواله أيضاً في هذا الصدد:"وفي أعمام النبي صلى الله عليه وسلم وبني عمه جماعة مؤمنون صحبوه كحمزة والعباس والفضل وكربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب وحمزة أفضل من العباس، وعلي وجعفر أفضل من غيرهما، وعلي أفضل من العباس؛ فعلم أن الفضل بالإيمان والتقوى لا بالنسب .. " ([14]).
"ولهذا كان أفضل الخلق أولياؤه المتقون وأما أقاربه ففيهم المؤمن والكافر والبر والفاجر؛ فإن كان فاضل منهم كعلي والحسن والحسين فتفضيلهم بما فيهم من الإيمان والتقوى، وهم أولياؤه بهذا الاعتبار لا بمجرد النسب، فأولياؤه أعظم درجة من آله " ([15]).
ولكن هذه الأقوال لشيخ الإسلام لم تعجب المؤلف برغم أنها في غاية الاتساق مع النصوص الشرعية، وليس فيها أدنى إساءة لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وانطلق يثير الزوابع بهذه الصرخات: "ابن تيمية يقلل من جناب النبيصلى الله عليه وسلم ويدعي أن الأجر العظيم لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ليس بسبب زواجهم منه ولكن بسبب تقواهم" ([16]).
" قول ابن تيمية لم يقله مسلم من قبله. وماله وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم." ([17]).
"انظر إلى مغالطات ابن تيمية وما في نفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته " ([18]).
"هل يريد ابن تيمية أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:توكلوا على الله واذبحوا أهل بيتي" ([19]).
¥