يرد على هذا المعنى إشكال، وهو أن هذا المعنى لم ينكره مشركوا العرب بل هم مقرّون به أفضل من بعض من ينتسب للإسلام اليوم فهم يقولون كما قال الله تعالى عنهم: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) ويقول في آية أخرى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) وفي آية أخرى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ).
إذا أصبح هنا توافق آخر وهو أن مشركي العرب مقرّين غير جاحدين بالمعنى الذي تعتقدونه للا اله إلا الله، وعلى هذا فلا يمكن أن يكون هذا معنى لا اله إلا الله الذي يريده الله تعالى من الناس، وإلا لما قاتل النبي صلى الله عليه وسلم مشركي العرب فالمعنى الذي تعتقدونه للا اله إلا الله لا ينفعكم كما أنه لم ينفع مشركي العرب.
إذا طالما أن قولنا بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر ليس معنى لا اله إلا الله المراد، فلا بد أنه ذلك المعنى الذي أنكر الله تعالى فعله على المشركين وسماه شركا وهو دعاء الأصنام و الذبح لها و النذر لها و الخوف منها و القسم بها و كل ما يطلق عليه مسمى عبادة مع العلم أنهم يريدون بعبادتهم للأصنام طلب الجاه والشفاعة كما قررنا آنفا.
وهو ذات المعنى أيضا الذي نُنْكِرُهُ اليوم على من يذهبون إلى ضريح الحسين و الجيلاني والأفعال التي يفعلونها عند ضريحهما هي نفس أفعال مشركي العرب عند أصنامهم، مع أنهم يعتقدون أن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر وأن الحسين و الجيلاني لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ولكنهم يدعونهم وينذرون لهم لطب الجاه والشفاعة.
فسمى الله تعالى الأول مع مشركي العرب شركا، أفلا يكون الثاني شركا وهو مطابق للأول تماما من كل الوجوه؟
....................
أما لماذا مشركي العرب افقه بمعنى لا اله إلا الله ممن ينذرون ويذبحون; للحسين والجيلاني، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى لا اله إلا الله فقال لهم (قولوا لا اله إلا الله تفلحوا) فأبوا وعاندوا وقالوا كما قال الله تعالى عنهم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) فعلموا أنهم لو أقرّوا بمعنى لا اله إلا الله الصحيح أنه لا يجوز لهم أبداً أن يدعوا أو ينذروا أو يذبحوا أو يصرفوا أي نوع من أنواع العبادة لغير الله كما يفعلون مع اللات والعُزّى لذلك لم يعترفوا بها.
بينما بعض من ينتسب للإسلام اليوم لا يفتر لسانه من ذكر لا اله إلا الله ومع ذلك فهو لا يفهم معناها الصحيح كما فهمه مشركوا العرب، لذا تجده يذهب إلى قبر الولي الفلاني فيدعوه من دون الله وتجده يذبح للولي الفلاني وينذر لآخر، فمن هنا علمنا أن مشركي العرب أفقه بمعنى لا اله إلا الله من بعض من ينتسب للإسلام اليوم.
....................
فإن قال لي قائل: الدعاء الذي ندعوه للحسين والجيلاني ليس بعبادة.
قلت له:
بل إن الدعاء عباده أمرنا الله تعالى بها في كتابه فقال (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) وقال (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) بل هو أخص أنواع العبادة فقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة).
وأنت قد علمت أن العبادات عمل محض لله إذا صرفت شيئا منها لغير الله تعالى أصحبت مشركا، كما أنك لو ذبحت لغير الله للجن أو لأصحاب القبور أشركت، لأن الله تعالى يقول (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) والنسك المقصود به الذبح فكذلك الدعاء لو صرفت منه شيء لغير الله أصبحت مشركا.
¥