تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المسئولية، فأنزل الله تعالى لك هداية لتلزم بها، فإن أبيت فتحمَّل المسئولية، ولكن من حق العبودية وما أوجب الله عليك أن تلتزم بالأوامر الشرعية إلزاماً، ولو شاء الحق سبحانه وتعالى لألزمك بها إلزاماً، ولكن القضية أن الله تعالى كما أنه قدير هو أيضاً حكيم، له الحكمة البالغة وله الحجة البالغة على خلقه، خلق الدنيا للابتلاء، والابتلاء يترتب عليه الجزاء في الجنة أو في النار.

قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة:170)، فما أنزل الله هو النقل، وما ألفوا عليه آباءهم مصدره العقل، كما فعل كفار قريش الذين جحدوا رسول الله ورأوا بعقولهم أن المصلحة في أن تبقى قريش على ما هي عليه فيرتفع السادة ويبقى العبيد أذلاء، فنظروا إلى مصلحة ضيقة، في حين أنهم لو كانوا استجابوا لرسول الله واستجابوا للنقل واتبعوا رسول الله لسادوا الأمم.

فإذا نظرت بالعقل ستجد أن الكمال في النقل وفي اتباعه، وهذا ستجده كثيراً في كتاب الله.

وقال تعالى في شأن من وَصَل إلى قِمَّة الكفر الذين يقولون لغيرهم: اتبعوا سبيلنا وستحيون في رغدٍ:) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ)، فهؤلاء يقودون أنفسهم بأهوائهم وعقولهم، وسبيل الحق سبحانه وتعالى يتمثل في النقل، الذي فيه الهداية والكمال، قال تعالى: (وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (العنكبوت:12).

وللنظر إلى ما حدث من المتكلمين في قضية الأسماء والصفات، يظل الواحد منهم سنين طويلة ويصنف عشرات الكتب حتى يقول للناس بأن نصوص الشرع ظاهرها باطل، فاصرفوها عن ظاهرها، أوِّلوا أو فوِّضوا أو عطِّلوا ... ، وفي النهاية يقول:

نهاية إقدام العقول عِقال وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

ثم يقول: "لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: 5] (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) (فاطر: 10)،وأقرأ في النفي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى: 11] (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه: 110]، ومن جرب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي"

وكذلك قال تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) (يس:20)

فاتباع المرسلين هو اتباع للنقل لا للعقل، (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فالذي يتبع النقل على هداية، وأما الذي يتبع العقل فإنه إن كان على هداية في جزء فهو على ضلال في أكثر الأجزاء، ولذلك نقول: لا يمكن أبداً أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح.

(ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) (محمد:3) فسمى المنقول حقاً، وسمَّى اتباع العقول والأهواء باطلاً لأنه غير معصوم، فعدم الرغبة في أن تكون تابعاً للنقل يعني أنك لا ترغب في الإسلام ولا ترغب في اتباع النبي، وهذا معناه كفر والعياذ بالله، ونحن نضرب أمثلة لبيان الفرق بين مذهب الباطل ومذهب الحق، فأهل الكفر تدفعهم المصلحة والأهواء فيظنون بالخطأ العقلي أن المصلحة تكون في كذا وكذا، في حين أن المصلحة الحقيقية التي أنزلها الحق سبحانه وتعالى إلينا تتمثل في اتباع الرسل والأنبياء لأن هذا فيه الكمال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير