وربنا سبحانه وتعالى مدح من اتبع طريقة الرسل والأنبياء فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا) (مريم:58)، كل هؤلاء يتبعون المنقول، لأن آدم نزل كأول رسول جاء بهداية من الله، وربنا سبحانه وتعالى وضع له شرائعاً وأحكاماً يسير عليها هو وذريته من بعده، وجاء من بعده نوح وإبراهيم وإسرائيل (يعقوب) وأولاد يعقوب (بنو إسرائيل)، وممن هدى الله واجتبى من المؤمنين (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) فهم يدركون فيها الحكمة.
ولذلك نقول بأن أجمل شئ في العقيدة أن تُدرك حكمة الله في الأشياء وتؤمن بطلاقة القدرة، فتشعر بأن الشئ وضعه الله سبحانه وتعالى في موضعه ولحكمة أرادها، ويوم أن تصل إلى هذا الشعور ستشعر بنور في قلبك تُميِّز به بين أشياء لا يستطيعها غيرك، وساعتها على الإنسان أن يحمد ربه على هذه النعمة، فأكبر نعمة يصل إليها الإنسان هي نعمة الإيمان التي يتلمس فيها الحكمة ويفعل الشئ وهو سعيد بفعله، سعيد بقربه من ربه، سعيد بلذة الإيمان وهو يسجد لله، وهذا الإحساس نسأل الحق سبحانه وتعالى أن يديمه علينا وأن يوفقنا إليه وأن نموت عليه.
ثم قال تعالى:) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)، فإذاً لا يُضيع أحد الصلاة بحجة أنها تعوق عن العمل، بل على الإنسان أن ينظر كيف عبد النبي الله، ومكَّن الله تعالى له ومكَّن لأمته، فالأسباب خلقها الله سبحانه وتعالى.
وكذلك فإن حملة العرش يستغفرون للذين آمنوا: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) (غافر:7)، فاتباع سبيل الله تعالى هو اتباع النقل، فيستغفر للمتبعين للنقل حملة العرش والطوَّافون حول العرش.
فإذا أراد الإنسان أن يستشير أحداً لفعل شئ، فإنه يبحث عمَّن يدله من البشر، فماذا إن كان الدليل ورد في التنزيل من عند رب العباد على رسول الله؟!
• ماذا لو حدث تعارض بين العقل والنقل؟
نرجع للعبارة المأخوذة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"العقل الصريح لا يُعارض النقل الصحيح، بل يشهد له ويؤيده لأن المصدر واحد، فالذي خلق العقل هو الذي أرسل إليه النقل، ومن المحال أن يُرسل إليه ما يُفسده، وإذا حدث تعارض بين العقل والنقل فذلك لسببين، لا ثالث لهما، إما أن النقل لم يثبت وإما أن العقل لم يفهم النقل"
فلا يمكن أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح، وضربنا مثلاً لذلك بقياس الأولى، وهو أن هذا لا يفعله إنسانٌ، أن يصنع صنعة ويضع نظاماً ودليلاً لتشغيلها فتفسد، فكيف بالحق سبحانه وتعالى؟!، من باب أولى إذا أنزل نظاماً لتوجيه صنعته يأخذ بالإنسان إلى آخرته وجنته لا يُمكن أن يتعارض عقل الإنسان مع هذا النظام المتمثل في النقل الصحيح الثابت.
ولو حدث تعارض بين العقل والنقل، فهذا لسببين اثنين:
o عدم ثبوت النقل
والمرجعية في عدم ثبوت النقل إلى علم الحديث، وليس إلى العقل، فلا يقول أحد: إذاً، أسمع الحديث فأحكم عليه بالصحة أو بالضعف عن طريق العقل.
نقول: لا، ولكن إذا جاء حديث تعارض مع العقل، فالواجب أن أتأكد أولاً عن طريق علم الحديث أن هذا الحديث صحيح، فأرجع إلى قواعد المحدثين، وهل هو منقول برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة؟ فإن كان، ننتقل إلى السبب الثاني.
o عدم فهم العقل للنقل
• السبب الأول في حدوث التعارض بين العقل والنقل أن النقل لم يثبت:
¥