نقول: هذا ليس بتعارض، ولذلك جمع الله سبحانه وتعالى بين هذه الثلاثة في آية واحدة، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد:4)، فمعنى في السماء أنه على العرش، فبعد السماء السابعة الماء، وبعد الماء العرش، وفوق العرش رب العالمين، والله من فوق عرشه يسمع السرَّ وأخفى في سائر خلقه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5)، فالله فوق عرشه، وهو في السماء وهو معنا أينما كنَّا، ولكن الإشكال في أنهم يتخيلون الله على أنه شخص، وبسبب هذا التشبيه الذي يأتي إلى أذهانهم ينكرون النصوص.
وانظر إلى كلام أبي الحسن الأشعري -الذي تُنسب إليه طائفة الأشعرية- في كتاب الإبانة: "فإن قال قائل: ما تقولون في الاستواء؟، قيل له: إن الله يستوي على عرشه استواءً يليق به"، فلم يقل رحمه الله: "استولى"، بل قال بأن من يقولون بأن استوى تعني "استولى" جهمية وحرورية ومعتزلة.
وقال رحمه الله: "فالسماوات فوق العرش، فلما كان العرش فوق السماوات قال: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) لأنه مستوٍ على العرش الذي فوق السماوات، وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلى السماوات".
فأعلى سماء فوقنا العرش، وفوق السماء السابعة ماء، وفوق الماء العرش، والله فوق العرش.
فإن قال قائل: ما شكل العرش؟
نقول: لا نعلم، فحتى نعلم بذلك يلزم أمران، إما أن نراه بأعيننا، وهذا لم يحدث، وقد قال النبي: "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت".
فالشئ لا يُعرف إلا برؤيته أو برؤية مثيله، ولا يوجد مثيل لعرش الله سبحانه وتعالى، ولا يوجد مثيل لله، قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11)، فهناك كيفية يعلمها الله سبحانه وتعالى، أما نحن فلا نعلم الكيفية، ولكن نؤمن بها، فهناك كيفية لاستواء الله جل جلاله يعلمها هو ولا نعلمها نحن.
ثم قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى: " وليس إذا قال: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) يعني جميع السماوات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات، ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات فقال تعالى: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً) (نوح:16)، ولم يُرد أن القمر يملأهن جميعا وأنه فيهن جميعاً، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات فلولا أن الله عز و جل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض"
وكتاب الإبانة عن أصول الديانة لأبي الحسن الأشعرى من أروع ما كُتب في عقيدة أهل السنة والجماعة، وليحرص طالب العلم على اقتنائه.
فهذا مثال للتعارض بين العقل والنقل سببه أن العقل لم يفهم النقل، فإذا حدث هذا، على الإنسان أن ينسب الخطأ إلى نفسه ويُقدِّس كلام الله ولا يتجرأ عليه، ويسأل أهل العلم، فهو بذلك قد اتقى الله بأن ردَّ العيب إلى نفسه ونزَّه كلام ربه، والله تعالى قال: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) (البقرة:282)، فيفهم في هذه الحالة ما أُشكل عليه، وأما لو تجرأ وقدَّم عقله على كتاب ربه فلن يفهم وسيزداد في الضلالة، كما قال تعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً) (مريم:75).
• ومثال ذلك أيضاً تشكيك بعض أتباع المستشرقين من الإسلاميين أساتذة الجامعات وشيوخ الفضائيات في حديث الذباب الذي رواه البخاري بسنده عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أن رسولَ الله قال: "إذا وقعَ الذبابُ في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الآخر شفاء".
فأخذوا يطعنون في هذا الحديث ويقولون: "إن العقل لا يقبل هذا"، حتى أثبت الطب الحديث أن هذا حق فصدقوا بهذا الحديث.
¥