تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والإمام الرازي الذي يعتبر إمام مذهب الخلف وهو صاحب القيادة فيه، وإن كان قد رجع عنه قبل موته، يقول: "إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية أو السمع والعقل أو النقل والعقل أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية – فعلى زعمهم يستحيل الجمع بين العقل والنقل لأنه اجتماع بين ضدين – يجب أن نُقدِّم العقل على النقل لأن العقل أصل النقل، فلو قدمنا النقل على العقل فقد قدحنا في العقل الذي هو أصل في ثبوت النقل".

يقولون: العقل هو الذي عرفنا على الوحي، وبالعقل عرفنا بأن محمداً رسول الله، فكيف نقدم كلام الرسول على العقل؟

يقول لهم ابن تيمية رحمه الله تعالى: العقل أصل في العلم بالنقل، ليس أصلاً في ثبوته، لأن النقل ثابت قبل وجود العقل.

فالنقل موجود في اللوح المحفوظ قبل ما تُخلق العقول وقبل ما تُخلق البشرية كلها، فالله يقول: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) (الواقعة:75 - 78)، والكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ، (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)، فلو كذَّبوا به هل سيؤثر ذلك في النقل؟ أبداً، فالضرر سيقع على من يُكذِّب بالنقل، والله تعالى يقول: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ. أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ. وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) (الزخرف:4 - 6)، فمن أُرسل إلى الأولين من الأنبياء والمرسلين، هل جاءوا بالعقل أم بالنقل؟ جاءوا بالنقل، قال تعالى: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) فالذين كذَّبوا بالرسول هل أثَّر تكذيبهم في صدق الرسول؟! فالرسول صادق والنقل ثابت سواء صدَّقت أم كذبت، فالعيب فيك وفي عقلك، فإن آمنت سيعود الصلاح عليك، وإن كذَّبت فسيعود الضرر عليك.

ويستدل ابن تيمية رحمه الله تعالى بحديث ابن عباس ? في صحيح البخاري قال: خرج علينا النبي يوما فقال: "عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد .......... " فلم يُصدق بالرسول الذي جاء من عند الله إلا رجل واحد أو اثنان أو ثلاثة أو رهط، وجاء نبي ولم يصدقه أي أحد، فهل لأن كل البشر كذبوه أن النقل لم يثبت والرسول ليس بصادق؟؟!!

إذاً قولهم بأن العقل أصل في ثبوت النقل كلام باطل، بل العقل أصل في التعرف على النقل، في العلم بالنقل، فالعقلاء لما سمعوا كلام الرسل أيقنوا به وصدقوه، ولذلك استجابوا لموسى بكثرة، واستجابوا لنبينا.

ثم قال: "ورأيت سواداً كثيراً سد الأفق فرجوت أن يكون أمتي فقيل هذا موسى وقومه ثم قيل لي انظر فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق فقيل لي انظر هكذا وهكذا فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق فقيل هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ".

فالعقل أصل في العلم بالنقل، وليس أصلاً في ثبوته، لأن النقل ثابت قبل وجود العقل،فهو موجود في اللوح المحفوظ، والرسل صادقون في بلاغهم عن ربهم صدَّق الناس أو لم يُصدقوا، فالضرر أو النفع يعود على الناس، وليس على أصل الرسالة، فكيف يُقال بأن العقل هو الذي عرَّفني بالنقل ولذلك نقدِّم العقل على ما جاء به الرسول؟! كيف وأن الرسول صادق؟ فإن لم تصدق به، فالعيب في ذهنك وعقلك وليس في كلام رب العزة والجلال، ولذلك كان السلف يعلمون أن ما أخبر الله به حق، وأن الله تبارك وتعالى ما أنزل هذا الكتاب إلا لهداية الناس، فلو ظنَّ أحد أن عقله أو الواقع الذي يراه يتعارض مع كتاب الله، فالعيب في عقله، أما كلام الله تبارك وتعالى فحق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير