نقول: هذه ليست عبادة النبي، فالمسلم في حال التجارة والبيع والشراء يكون في علم اليقين، فيوقن بأن ما أخبر الله به حق، ولكنه لا يتفكر في الجنة والنار أثناء عملية البيع والشراء، وأما غلاة الصوفية فيقول أحدهم بأنه بسبب شدة فنائه عن الكون، وبسبب مشاهدته للحق سبحانه وتعالى لا يستطيع أن يُميز عدد ركعات الصلاة، فيستأجر من يعد له الركعات.
نقول: لو كان كل الناس بهذه الطريقة لعاشوا في غياب عن الوعي، أهذا هو الدين؟؟!!
ويروون بأن أبا يزيد البسطامي كان جالساً عند الجنيدي المحمد، فأرادت امرأة الجنيدي أن تمر، فقال لها الجنيدي: "مرِّي، فلن يراك " – أي أنه حدث له ما يسمونه بالفناء- فمرت المرأة، فسأل الجنيدي أبا يزيد: هل رأيت شيئاً يمر؟، قال أبو يزيد: لا، أبداً.
نقول: هذا الذي يقولونه يؤدي إلى هدم الشرائع والأحكام، ما أنزل الله هذه الشرائع إلا لنتعامل معها، وأما أن يأتي أحد في وقت من الأوقات فيقول: هذه الشرائع لا تصلح إلا للعامة، وأما الخاصة فلا، نقول له: ليس أفضل من رسول الله، ومن يأت بشئ لم يأت به الرسول فهو مبتدع، سواء في باب الاعتقاد أو في باب العبادات.
إذا وصل الشخص إلى مرتبة عليا كعين اليقين وحق اليقين بحيث يرى الأمور حقائق بعينه، لن يكون هناك مسألة الغيب، لأنه يرى الملائكة، ويمكن أن يصافحهم، كما أخبر النبي، ولذلك كان النبي يرى أشياءً من الغيب ويرى الملائكة ويرى الجنة والنار في عُرض الحائط، وهذا من شدة اليقين، لأن عالم الغيب حق، وما حجبه الله سبحانه وتعالى عنَّا إلا لابتلائنا، فينبغي في باب الأخبار أن نصدق الله في خبره تصديقاً يقينياً جازماً.
- روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي سعيد الخدري ? قال: جاء رجل إلى النبى فقال: إن أخى استطلق بطنه، فقال رسول الله: "اسقه عسلاً"، فسقاه ثم جاءه فقال إنى سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال له ثلاث مرات ثم جاء الرابعة فقال «اسقه عسلا». فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقاً، فقال رسول الله: «صدق الله وكذب بطن أخيك». فسقاه فبرأ.
فنأخذ من نص كلام النبي أن ما أخبر الله به حق، حتى لو اجتمع أهل الأرض على خلافه، فالله يقول: (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل:69)، فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق النحل، ويعلم أن العسل فيه شفاء للناس.
فمثلاً قال الله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (يس:38)، فيقول قائل: "الشمس ثابتة"، وفي فترة من الفترات جاء بعض المفتونين بهذه الحضارات الفارغة فقال: "ثبت أن الشمس ثابتة، كبف تقولون أن الشمس تجري؟ " وأخذوا يطعنون في القرآن، وكان الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى يقول في وقتها: هم المخطئون، الشمس تجري.
وبعد فترة اكتشفوا بأن الشمس وما يدور حولها يسير في فلك آخر لا يعلمون له بداية ولا نهاية، والشمس تجري، وقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى من حديث أبي ذر ? قال: كنت مع النبي ? في المسجد عند غروب الشمس فقال: "يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس". قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)
فإن قيل: كيف يتم ذلك؟
نقول: لا نعلم، هذه أشياء غيبية، أو حقائق عقولنا قاصرة عن إدراكها.
- وكذلك لما أخذوا يطعنون في حديث الذبابة وقالوا: كيف نغمس الذبابة في الإناء؟.
والنبي يقول: "إذا وقعَ الذبابُ في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الآخر شفاء"
وهذه الآن حقيقة علمية اكتشفوها، فالمسلم يجب أن يكون عنده ثقة في كلام الله وكلام رسوله.
¥