ـ[محمود المقدسي]ــــــــ[13 - 10 - 10, 12:01 م]ـ
11.وفاته ودفنه
ولما أخرج ما عنده من الكتب والأوراق - في سجننته الأخيرة بدمشق - أقبل الشيخ بعد إخراجها على العبادة والتلاوة والتذكر والتهجد حتى أتاه اليقين.
وختم القرآن مدة إقامته بالقلعة ثمانين أو إحدى وثمانين ختمه، انتهى في آخر ختمة إلى آخر اقتربت الساعة: (إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر). (العقود الدرية ص 384)
- قال الحافظ ابن كثير في أحداث سنة (728):
قال الشيخ علم الدين البرزالي: وفي ليلة الاثنين العشرين من ذي العقدة توفي الشيخ الإمام العالم العلم العلامة الفقيه الحافظ الزاهد العابد المجاهد القدوة شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن شيخنا الإمام العلامة المفتي شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم ابن الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم محمد بن الخضر بن محمد ابن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني ثم الدمشقي بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوسا بها وحضر جمع كثير إلى القلعة وأذن لهم في الدخول عليه وجلس جماعة عنده قبل الغسل ثم انصرفوا ثم حضر جماعة من النساء ثم انصرفن واقتصروا على من يغسله.
فلما فرغ من غسله اخرج ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع وامتلأ الجامع أيضا! والكلاسة وباب البريد وباب الساعات إلى باب اللبادين والغوارة وحضرت الجنازة في الساعة الرابعة من النهار أو نحو ذلك ووضعت في الجامع والجند قد احتاطوا بها يحفظونها من الناس من شدة الزحام وصُلي عليه أولا بالقلعة تقدم في الصلاة عليه أولا الشيخ محمد بن تمام ثم صلى عليه بالجامع الأموي عقيب صلاة الظهر وقد تضاعف اجتماع الناس على ما تقدم ذكره ثم تزياد الجمع إلى أن ضاقت الرحاب والأزقة والأسواق بأهلها ومن فيها ثم حمل بعد أن صلى عليه حُمل على الرؤوس والأصابع وخرج النعش به من باب البريد واشتد الزحام وعلت الأصوات بالبكاء والنحيب والترحم عليه والثناء والدعاء له وألقى الناس على نعشه مناديلهم وإعمائهم وثيابهم وذهبت النعال من أرجل الناس وقباقيبهم ومناديل وعمائم لا يلتفتون إليها لشغلهم بالنظر إلى الجنازة وصار النعش على الرؤوس تارة يتقدم وتارة يتأخر وتارة يقف حتى تمر الناس وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام كل باب أشد زحمة من الآخر ثم خرج الناس من أبواب البلد جميعها من شدة الزحام فيها لكن كان معظم الزحام من الأبواب الأربعة باب الفرج الذي أخرجت منه الجنازة وباب الفراديس وباب النصر وباب الجابية وعظم الأمر بسوق الخيل وتضاعف الخلق وكثر الناس ووضعت الجنازة هناك وتقدم للصلاة عليه هناك أخوه زين الدين عبد الرحمن فلما قضيت الصلاة حمل إلى مقبرة الصوفية فدفن إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله رحمهما الله وكان دفنه قبل العصر بيسير وذلك من كثرة من يأتي ويصلي عليه من أهل البساتين وأهل الغوطة وأهل القرى وغيرهم وأغلق الناس حوانيتهم ولم يتخلف عن الحضور إلا من هو عاجز عن الحضور مع الترحم والدعاء له وأنه لو قدر ما تخلف وحضر نساء كثيرات بحيث حزرن بخمسة عشر ألف امرأة غير اللاتي كن على الاسطحة وغيرهن الجميع يترحمن ويبكين عليه فيما قيل وأما الرجال فحزروا بستين ألفا إلى مائة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مائتي ألف وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهما وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير وتضرع وختمت له ختمات كثيرة بالصالحية وبالبلد وتردد الناس إلى قبره أياما كثيرة ليلا ونهارا يبيتون عنده ويصبحون ورئيت له منامات صالحة كثيرة ورثاه جماعة بقصائد جمة. (البداية والنهاية 14/ 131)
- قال أهل التاريخ لم يسمع في جنازة بمثل هذا الجمع إلا جنازة الإمام أحمد بن حنبل.
قال الدارقطني: سمعت أبا سهل بن زياد القطان يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: حزر الحزارون المصلين على جنازة أحمد، فبلغ العدد بحزرهم ألف ألف وسبعمائة ألف سوى الذين كانوا في السفن. (الشهادة الزكية ص 66)
- قال ابن رجب: وصُلي عليه صلاة الغائب في غالب بلاد الإسلام القريبة والبعيدة حتى في بلاد اليمن والصين، وأخبر المسافرون أنه نودي بأقصى الصين للصلاة عليه يوم الجمعة الصلاة على ترجمان القرآن. (ذيل طبقات الحنابلة 2/ 327)
- قال الإمام الذهبي يرثي شيخ الإسلام:
يا موت خذ من أردت أو فدع ... محوت رسم العلوم والورع
أخذت شيخ الإسلام وانفصمت ... عرى التقى واشتفى منه أولو البدع
غيّبت بحراً مفسراً جبلاً ... حبراً تقياً مجانب الشيع
فإن يحدث فمسلم ثقة ... وإن يناظر فصاحب اللمع
وإن يخض نحو سيبويه يفه ... بكل معنى من الفن مخترع
وصار عالي الإسناد حافظه ... كشعبة أو سعيد الضبعي
والفقه فيه فكان مجتهداً ... وذا جهاد عار من الجزع
وجوده الحاتمي مشتهر ... وزهده القادري في الطمع
أسكنه الله في الجنان ولا ... زال علياً في أجمل الخلع
مع مالك الإمام وأحمد ... والنعمان والشافعي والخلعي
مضى ابن تيمية وموعده ... مع خصمه يوم نفخة الفزع.
(الرد الوافر 1/ 35)
¥