ولذلك، فلأن كلمة "طبَّ" من المعاني المنقسمة، قلنا بأن "الطبيب" من الأسماء المقيدة لله تعالى التي لا بد أن تُقيَّد بموضع الكمال في حق رب العزة والجلال، وهذا سنعلمه عندما نتحدث عن قضية الأسماء الحسنى بإذن الله تبارك وتعالى.
..... قال: في أي شيء؟ قال: في مُشْطٍ ومُشَاطَة وَجُفِّ طلع نخلة ذكر. قال: وأين هو؟، قال: في بئر ذروان".
وهذا بئر من الآبار وضع فيه السحر، فأخذ بعض شعرات من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وكلَّف الشياطين بأن يحاولوا إيذاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولكن أنَّّى لهم ذلك، فالله تعالى يقول: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة:67)، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن الشيطان القرين: "إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير"، ولكن هناك وساوس شياطينية تأتي من خلال الشياطين التي تعمل مع السحرة، فهناك قرين ملازم وهناك شياطين حرة طليقة تتعامل مع السحرة، وأمثال هؤلاء هم الذين قاموا بهذه الفعلة.
فأتاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ناس من أصحابه فجاء فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين". قلت يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "قد عافاني الله ........
وفي هذا دليل على أنه لا يُشترط أن يُخرج السحر (أو ما يُسمَّى بالعَمَل) حتى يبرأ المسحور، فلو تعوذ الإنسان بالله تبارك وتعالى وقرأ المعوذات ينفك عنه السحر بإذن الله تعالى.
قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا". فأمر بها فدفنت.
أي حتى لا يُفتن الناس بقضية استخراج مثل هذه الأشياء وتصبح سنة متبعة.
لبيد بن الأعصم هذا كان دائماً ما يبث الأفكار السيئة والشبهات إلى تلاميذه، فنُقلت إلى شخص اسمه الجعد بن درهم، وقد زعم الجعد بن درهم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً ونفى ذلك صراحةً، فأقاموا عليه الحد، ومات مقتولاً، وأصبح مشهوراً في التاريخ الإسلامي أنه هو الضحية التي ضحَّى بها خالد بن عبد الله القسري لما خطب الناس وقال: "ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم؛ فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسي تكليما" ثم نزل فذبحه، وكان ذلك بعد أن استفتى علماء زمانه من السلف الصالح وحكموا عليه بأن ما يقوله تكذيب بكلام الله، فمات الجعد يوم عيد الأضحى، ومدح الناس الأمير أنه ضحى بهذا الرجل الذي نفى كلام الله تعالى وعطله.
ولم يشتهر الجعد بن درهم كاشتهار الجهم بن صفوان، فالجهم تأثر بالجعد وتعلم منه مقولة التعطيل ولكنه لم يكن يُصرِّح، والجهم بن صفوان كان ذو لسان لبق في الكلام، وكان متحذلقاً كثير الكلام والجدال، ولم يكن له علم ولا مجالسة لأهل العلم، وكان الجهم يتكلم بأفكار الجعد من أن الله تعالى ليس موصوفاً بصفة ... إلى غير ذلك.
• الرد على شبهة السمنية.
الأساس الثاني:
قلنا أن الطريق الأول الذي أخذ الجهم بدعته منه هو طريق يهودي، وأما الطريق الثاني فهو طريق وثني، ففي يوم من الأيام مر الجهم على ناس من المشركين من عبدة الكواكب يقال لهم السُّمنية نسبة إلى قرية بالهند تسمى سُومَانت، فقالوا له: "يا جهم نكلمك ونناظرك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك"، ولم يكن الجهم أهلاً للمناظرة، فقالوا: هذا ربك الذي تعبده، هل يُرى؟ فقال: لا، قالوا: هل يُسمع؟، قال: لا، قالوا: هل يُحس أو يُمس؟ قال: لا، قالوا: فما يدريك أنه إله؟
نقول: إنه يأتي على الإنسان وقت من الأوقات ويتمنى أن يرى جواباً شافياً لمثل هذا السؤال، فإذا سئلت: هل يُرى ربك؟ فإن كنت لا تعلم الإجابة فقل الله أعلم، فالله سبحانه وتعالى يقول: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43)، ولو كان الجهم سأل أهل الذكر لم تكن هناك مشكلة.
¥