تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا كلام باطل من جميع الوجوه لأن الله سبحانه وتعالى لا يحل في مخلوقاته فقد ثبت أنه بذاته في السماء فوق العرش، وعرشه فوق الماء، والماء فوق السماء السابعة، وهو سبحانه في سمائه يدبر أمر مخلوقاته ويعلم ما هم عليه.

قال أبو عمر الطلمنكي: "أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) (الحديد:4) ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله تعالى فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء، وقال أهل السنة في قوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5): إن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز".

وقال أبو زرعة الرازي: "إن الله تعالى على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بلا كيف أحاط بكل شيء علما، وإنه تبارك وتعالى يرى في الآخرة يراه أهل الجنة بأبصارهم ويسمعون كلامه كيف شاء وكما شاء".

وقال أبو نعيم الأصبهاني: "طريقتنا طريقة المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ثم قال: فما اعتقدوه أن الأحاديث التي ثبتت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في العرش واستواء الله يقولون بها ويثبتونها من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف، وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه وخلقه ..

وقال أيضا: "وأجمعوا أن الله فوق سماواته عال على عرشه مستو عليه لا مستول عليه كما تقول الجهمية أنه بكل مكان خلافا لما نزل في كتابه".

وقال أبو الحسن الأشعري عند قوله (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ): (السماوات فوقها العرش، ولما كان العرش فوق السماوات، قال أأمنتم من في السماء لأنه على العرش الذي فوق السماوات، وكل ما علا فهو سماء والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) يعني جميع السماوات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات).

وقال يحى بن معاذ الرازي: "إن الله على العرش بائن من خلقه، قد أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، لا يشك في هذه المقالة إلا جهمي رديء أو هالك مرتاب يمزج الله بخلقه ويخلط منه الذات بالأقذار والأنتان".

ما المقصود بقوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)؟

ربنا سبحانه وتعالى معنا من فوق عرشه، ولا يلزم من ذلك أن الله ترك عرشه ونزل بين الناس، والذي يفهم ذلك شخص يتخيل ربنا سبحانه وتعالى إنساناً، وهذا من جهله بوصف الرحمن، فالله سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ، وهو فوق عرشه، ومن فوق العرش معنا بمعية عامة ومعية خاصة، وسنعلم ذلك بالتفصيل، فقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للصديق 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - "لا تحزن إن الله معنا"، هل يعني ذلك أن الله في الغار؟!

الله تعالى ضرب مثلاً لبني إسرائيل بسبب اتباعهم لأهوائهم ولعقولهم دون النظر إلى كتاب ربهم، فقال:) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (الجمعة:5)

قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للصديق 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - "لا تحزن إن الله معنا"، هذا معناه أن الله سبحانه وتعالى معهم يؤيدهم وينصرهم من فوق عرشه، ومعهم يُقلب الأسباب لحظة بلحظة لتأييد نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فأعمى أبصار الكافرين حين نظروا إلى الغار، فقلب المؤمن وقلب الكافر بيد الله يقلبه كيف يشاء من فوق عرشه، (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ. هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) (آل عمران:5)، وهذه هي عقيدة السلف الصالح، فإذا أتى الشيطان لك وقال لك: ما هو شكل العرش؟ وكيف استوى الله عليه؟ فاستعذ بالله منه.

وسنعلم بعد ذلك أن الممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير