تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خامساً: العقل: ودلّ على إثباتها من ثلاثة وجوه: الأول: الاستدلال بأنه سبحانه مستحق لصفات الكمال _ بقطع النظر عن كونها ثابتة في المخلوقات_ وذلك لامتناع النقص عليه بوجه من الوجوه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية "فإذا عرضنا على العقل الصريح من يقدر على الفعل القائم به والمنفصل عنه، ومن لا يقدر على أحدهما، علم أنّ الأول أكمل .. " (أنظر النص بطوله في: درء التعارض:2/ 220) ثانيا: الاستدلال بما في المخلوقات من كمال على أنّ الخالق أحق به، وأنه يمتنع أن يكون مضاهيا للناقص، فإنه كل كمال اتصف به المخلوق من غير استلزامه النقص فالخالق أحق به، وكل نقص تنزّه عنه المخلوق فالخالق أولى بالتنّزه عنه، وأيضا فكل كمال في المخلوق فهو مستفاد من الخالق وواهب الكمال أولى بالاتصاف به، ومن نفى عنه الفعل فقد شبهه بالجمادات والموات وغيرها من صفات النقص، (أنظر: مجموع الفتاوى 6/ 92_94، والأصفهانية ص98) ثالثا: أنه لو لم يتصف بصفات الكمال لاستلزم ذلك اتصافه بنقائضها، فإنّ الصفات الاختيارية من الكلام والنزول وغير ذلك، وكذلك العلم والقدرة والسمع والبصر صفات كمال فلو لم يتصف بها لاتصف بنقائضها من الجهل والعجز والصم والبكم والخرس وهذه صفات نقص يتنزّه عنها الخالق سبحانه. (أنظر للتوسع كلام شيخ الإسلام في المصادر السابقة)

ثانيا: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها:

قلت: ليس لنفاة الصفات الاختيارية دليل نقلي واحد صريح يعتمدون عليه، بل الأدلة النقلية والعقلية كلها تدل على نقيض قولهم، غاية استدلالهم هو ما يعرف بـ (دليل حدوث الأجسام) وهذا الدليل هو المسلك المشهور للمعتزلة، وأخذه عنهم جمهور الأشاعرة والماتريدية. (أنظر: نقض التأسيس 1/ 257_258، ودرء التعارض9/ 132)، وخلاصة هذا الدليل أنّ هؤلاء قالوا: لا يُعرفُ صدق الرسول حتى يعرف إثبات الصانع، ولا يعرف إثبات الصانع حتى يعرف حدوث العالم، ولا يعلم حدوث العالم إلا بما به يعلم حدوث الأجسام، ثم استدلوا على حدوث الأجسام بأنها لا تخلوا من الحوادث _ أو أنها مستلزمة للأعراض أو بعضها_ ثم قالوا: وما لم يخل من الحوادث فهو حادث. هذا خلاصة دليلهم وقد جعلوه أصل الدين حتى قالوا: إنه لا يمكن معرفة الله وتصديق رسوله إلا بهذه الطريق. (أنظر: أصول الدين للبغدادي ص338)، فصارت هذه الطريق أصل الدين، وقاعدة المعرفة، وأساس الإيمان عندهم، لا يحصل إيمان ولا دين ولا علم بالصانع إلا بها، وصار المحافظة على لوازمها أهم الأمور عندهم .. وهذا الدليل _ والذي تلقوّه تلقّي المسلّمات_ لم يتفقوا على مقدمة واحدة من مقدماته. (أنظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة للمحمود 3/ 984)، وبيان ذلك: أنّ هؤلاء بعد أن سلّموا أنّ إثبات الصانع لا يعلم إلا بحدوث العالم، وحدوث العالم لا يعلم إلا بما به يعلم حدوث الأجسام، اختلفوا في كيفية تقرير حدوث الأجسام:

فطائفة: قالت: إنّ الجسم لا يخلو عن الحوادث، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث.

وطائفة ثانية: قالت: إنّ الجسم لا يخلو من كل جنس من أجناس الأعراض وقالوا: إنّ القابل للشيء لايخلو عنه وعن ضده، ثم قالوا: والعرض لا يبقى زمانين، فتكون الأعراض كلها حادثة شيئا بعد شيء، والأجسام لا تخلو منها. وهذا المسلك هو المسلك المشهور للأشاعرة والذي رجحه الآمدي وردّ ما عداه، وهناك أقوال أخرى في كيفية تقرير حدوث الأجسام نقتصر على ما ذكرنا لضيق المقام، ولأن قول الطائفة الأولى والثانية هو المشهور عند الأشاعرة. وهؤلاء قد تنازعوا في مقدمات دليلهم:

ففي المقدمة الأولى وهي: أنّ الجسم لا يخلو عن الحوادث، اختلفوا فيها:

_ ففريق منهم قال: الجسم لا يخلو من الحركة والسكون، وهما حادثان. وهذه طريقة المعتزلة، وذكرها الرازي (الأربعين في أصول الدين ص13).

_ وفريق قال: إنّ الأجسام لا تخلو من الاجتماع والافتراق، وهما حادثان، وهذه طريقة الأشعري وغيره، وهذا القول مبني على القول بالجوهر الفرد الذي يقوم على أنّ الأجسام مركبة من الجواهر المفردة _ من جوهرين فأكثر_ فالجواهر إما مجتمعة أو متفرقة، ومن لم يقل بالجوهر الفرد لا يلزمه هذا الدليل، والأشاعرة مختلفون في إثبات الجوهر الفرد، فأكثرهم يثبته، وفيهم من ينفيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير