ظهرت آثار ذلك على أهل الإيمان الصحيح، ذكروا: أن رجلا خلى بامرأة ليزني بها، فقال لها: أغلقي الأبواب، فلما أغلقت البواب قالت: بقي باب واحد ما هو؟ قالت: الذي بيننا وبين الله، ارتعد لذلك، وترك هذا؛ لأنه عرف أن الله تعالى لا يستر بصره حجاب، ولا يغلق دونه باب؛ فإنه عالم بالعباد.
وذكروا: أن رجلا راود امرأة على نفسها في ليلة مظلمة، فقال: ما يرانا إلا الكواكب فقالت: فأين مكوكبها؟؛ يعني أين الله الذي كوكبها؟ يعني خلقها وسيرها.
وجاء جماعة إلى راعي غنم وطلبوا منه أن يبيع، أو يعطيهم شاة من غنمه الذي هو يرعاها، فقالوا له: إذا سألك سيدك فقل أكلها الذئب، فقال ذلك الراعي: فأين الله؟ يعني أنني أكون بذلك قد كذبت، والله تعالى عالم بكذبي؛ فيكون ذلك من الكذب على الله. استحضر أن ربه سبحانه سيحاسبه على هذا، وأنه لا يخفى عليه من أمور عباده خافية.
وفي حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار يقول: «قال أحدهم: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني طلبتها إلى نفسها فأبت، فألمت بها سنة من السنين، فجاءت فأعطيتها مائة دينار، فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله، اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه» لما قالت له هذه الموعظة عرف أن الله تعالى حرم ذلك عليه؛ فارتعدت فرائصه، وتاب وترك ما كان أعطاها، وأقلع عن هذا الفعل. هكذا يكون أثر هذا الاستحضار؛ أثر العقيدة التي رسخت في القلب تمنع أصحابها من أن يتجرءوا على المعصية.
قوادح في العقيدةِ
وإذا عرفنا هذه العقيدة وعرفنا آثارها فنعرف بعض القوادح التي تقدح في هذه العقيدة؛ إما أنها تنافيها أو تنقصها؛ حتى يتجنب ذلك المسلم المؤمن.
من القوادح: البدع؛ البدع تقدح في كمال التوحيد؛ أي البدع يعم البدع الاعتقادية والبدع العملية، وضابطها: كل شيء يخالف عقيدة المسلمين، ويخالف ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
«الخوارج»
حدث في عهد الصحابة بدعة التكفير، وهي مما يقدح في العقيدة؛ الخوارج صاروا يكفرون بالذنوب، ولذلك استحلوا قتال المسلمين؛ فكانوا بذلك مبتدعين يرون الذنب كفرا، يكفرون بالذنوب، ويعتقدون أن كل من عمل ذنبا وأصر عليه فإنه كافر، وهذه تقدح في العقيدة، وتقدح في التوحيد.
«إنكار القدر»
ومن البدع أيضا: بدعة إنكار القدر، وهي أيضا من القوادح تقدح في التوحيد، وتقدح في العقيدة، الذين ينكرون أن الله تعالى كتب المقادير في اللوح المحفوظ، أو علم ما يكون لا شك أنهم بذلك قدحوا في علم الله تعالى؛ قدحوا في علمه بالأمور المستقبلة، كالأمور الماضية؛ فيقولون: إن الله ليس بكل شيء عليم، إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع، لا يعلم الحوادث حتى تقع، وحتى تحدث، كذبوا بقوله تعالى: ? وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ? [سورة البقرة، الآية: 282] مع أنها عامة، هذا أيضا من القوادح في العقيدة.
«إنكار قدرة اللَّه عزّ وجلّ»
كذلك أيضا الذين ينكرون قدرة الله، الله تعالى أخبر بأنه على كل شيء قدير، فهناك عقيدة القدرية الذين يقولون: إن الله لا يقدر على كل شيء، وإنما يقدر على بعض الأشياء؛ ينكرون قدرة الله على الهداية والإضلال، ويقولون: العبد هو الذي يقدر، ولا يقدر الله تعالى أن يرده عما أراده، هذا أيضا قادح في العقيدة.
«الجبرية»
وكذلك أيضا الذين ينكرون شرع الله وأمره ونهيه، لا شك أن هذا قادح، وأنه بدعة وهم الذين يقولون: ليس للعباد قدرة على أفعالهم، وإنما هم بمنزلة المجبر؛ المجبور الذي ليس له اختيار، هذه عقيدة أهل الجبر؛ الجبرية، لا شك أيضا أنها تقدح في العقيدة؛ حيث إنهم يعتقدون أن العبد معذور، وأن العاصي مجبور على المعصية، وليس بملوم على ما يفعل من الذنوب، ويحتجون بالقدر، ويقول فيهم بعض العلماء:
وعند مراد الله تفنى كَمَيِّت
وعند مراد النفس تُسدي وتُلحد
وعند خلاف الأمر تحتج بالقضا
ظهيرا على الرحمن للجبر تزعم
¥