تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجاء رجل بصدقة قليلة، فقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا؛ فأنزل الله: ? الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ? هذا جزاء الذين يسخرون من المؤمنين ويلمزونهم ويعيبونهم بما هو حق أن يمدحوا به، وقد توعد الله تعالى على ذلك بالويل في قوله تعالى: ? وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ? [سورة الهمزة، الآية: 1]؛ يعني أنه يستحق الويل. همزة؛ يعني يهمز ويلمز، ومثل ذلك قوله تعالى:

? هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ? [سورة القلم، الآية: 11]؛ يعني أنه يهمز؛ يعني يعيب ويخذل ويعيب ويسخر، وهذا من عيب هؤلاء، وقد ذكر في تفسير قول الله تعالى: ? وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ? [سورة التوبة، الآية: 65] أن بعضا من المنافقين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء؛ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات، فجاء رجل منهم فقال: إنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- يرد عليه، يقول: ? أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ? [سورة التوبة، الآيتان: 65، 66].

أثبت أن لهم إيمانا، وأن هذه الكلمة صارت سببا في كفرهم لما قالوا: ما رأينا مثل قرائنا، ويريدون بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الذين جاهدوا معه، فيقولون: إنهم ليس لهم هم إلا بطونهم وفروجهم، وكذلك أيضا أنهم جبناء؛ يعني ليسوا جريئين في القتال أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء؛ فكان ذلك سببا في أن الله تعالى كفرهم، وحكم بأنهم كانوا مؤمنين فارتدوا وكفروا بعد إيمانهم.

وإذا عرفنا ذلك، فنقول: إن هذا يقع كثيرا وهو من أكبر القوادح في التوحيد، وفي العقيدة؛ حيث إن كثيرا لا يتفقدون الكلمة التي يتكلمون بها، فيذل بها أحدهم ولا يشعر بأنها تبلغ ما بلغت من الإثم، ومن الكفر -والعياذ بالله-؛ فكثيرا ما يحقد أحدهم فيسب الدين، ويسب العبادات، وما أشبه ذلك، وربما أيضا يضيفوا الدين إلى ذلك الذي يريدون سبته، فيقول أحدهم -والعياذ بالله- لعن الله دينك، أو لعن الله الدين الذي تفتخر به، أو تقتدي به، أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا من أكبر القوادح في الشريعة ونحو ذلك.

وهكذا أيضا الاستهزاء بكلام الله تعالى، والسخرية منه، كما ذكر عن الذين يجعلون القرآن شعرا، قال الله تعالى: ? وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ? [سورة الحاقة، الآيتان: 41، 42] فالذين يجعلونه شعرا، أو كهانة، أو سحرا، أو نحو ذلك قد كذبوا الله تعالى وكذبوا نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

وهكذا أيضا من القوادح: السخرية بكلام الله تعالى، واتخاذه مثلا لهوا أو لعبا أو غناء أو مطربا أو نحو ذلك، كالذين يغنون بالقرآن؛ يعني يجعلونه غناء كالقصائد التي يغنى بها، فيضربون الطبول على ذلك، لا شك أن هذا أيضا قادح من أكبر القوادح في دين الله تعالى وفي العقيدة التي يعقد عليها قلب المؤمن؛ وذلك لأنه سخرية بكلام الله تعالى، الله أنزل هذا القرآن، وأمر بتلاوته، وأمر بتدبره وبقراءته، قال الله تعالى: ? اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ? [سورة العنكبوت، الآية: 45] أمر بتلاوته؛ يعني قراءته، وأمر باتباعه بقوله: ? اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ? [سورة الأعراف، الآية: 3] اتبعوه لعلكم تهتدون، أمرنا بأن نقرأه وبأن نتدبره وبأن نتبعه، فمن جعله شعرا أو غناء فقد جعله محل سخرية واستهزاء؛ فيكون بذلك ممن قدح في دينه، وقدح في عقيدته، وتعدى حده.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير