فإنَّ هذه الآيةَ تدلُّ على دخولِهنَّ حتماً لأنَّ سياقَ الآيات قبلها وبعدها خطابٌ لهنَّ، ولا يُنافي ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: «خرج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شَعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله ثمَّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]» لأنَّ الآيةَ دالَّةٌ على دخولِهنَّ لكون الخطابِ في الآيات لهنَّ، ودخولُ عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم في الآيةِ دلَّت عليه السُّنَّةُ في هذا الحديث، وتخصيصُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الأربعة رضي الله عنهم في هذا الحديث لا يدلُّ على قَصْرِ أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى وإنَّما يدلُّ على أنَّهم مِن أخصِّ أقاربه. وزوجاتُه صلى الله عليه وسلم داخلاتٌ تحت لفظ «الآل» لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الصَّدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّد»، ويدلُّ لذلك أنَّهنَّ يُعطَيْن من الخُمس، وأيضاً ما رواه ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مُلَيكة: «أنَّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها وقالت: إنَّا آلَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لا تَحلُّ لنا الصَّدقة».
*روى الإمام أحمد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من أصحاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول: «اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى أهل بيته وعلى أزواجِه وذريَّتِه كما صلَّيتَ على آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ، وبارِك على محمَّدٍ وعلى أهل بيته وعلى أزواجِه وذريَّتِه كما بارَكتَ على آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ» [رواه أحمد والطحاوي بسندٍ صحيح].
قال ابن القيم: "فجمع بين الأزواج والذريَّة والأهل، وإنَّما نصَّ عليهم بتعيينهم ليُبيِّن أنَّهم حقيقون بالدخول في الآل وأنَّهم ليسوا بخارجين منه بل هم أحقُّ مَن دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاصِّ على العام وعكسه تنبيهاً على شرفه وتخصيصاً له بالذِّكر من بين النوع لأنَّه أحقُّ أفراد النوع بالدخول فيه". أ هـ.
مكانة أهل البيت عند الصحابة
من دلائل هذه المكانة المميزة قول أبي بكر رضي الله عنه لعليٍّ رضي الله عنه: والذي نفسي بيدِه لَقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ من قرابَتِي. [رواه البخاري].
وعن ابن عمر عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ارقُبُوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. رواه البخاري
قال الحافظ ابن حجر في شرحه: "يخاطِبُ بذلك الناسَ ويوصيهم به والمراقبةُ للشيء المحافظةُ عليه، يقول: أحفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تُسيئوا إليهم". أهـ.
وعن أنس رضي الله عنه: أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا قُحِطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب فقال: اللَّهمَّ إنَّا كنَّا نتوسَّل إليك بنبيِّنا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقِنا، قال: فيُسقَوْن أهـ.
والمرادُ بتوسُّل عمر رضي الله عنه بالعباس رضي الله عنه التوسُّلُ بدعائه كما جاء مبيَّناً في بعض الروايات.
قال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله تعالى عنهما: والله لإِسلاَمُك يوم أسلمتَ كان أحبَّ إليَّ من إسلامِ الخطاب لو أسلَمَ لأنَّ إسلامَك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب. وهو عند ابن سعد في (الطبقات).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنَّ عمر بنَ الخطاب رضي الله عنه لَمَّا وضع ديوان العَطاءِ كتب الناسَ على قَدْرِ أنسابِهم فبدأ بأقربِهم فأقربهم نسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا انقضت العربُ ذكر العَجَم، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين وسائر الخلفاء من بَنِي أُميَّة ووَلَدِ العباس إلى أن تغيَّر الأمرُ بعد ذلك". أ هـ.
قال الذهبي في ترجمة العبَّاس: "كان العبَّاسُ إذا مرَّ بعمر أو بعثمان وهما راكبان نزلاَ حتى يُجاوِزهما إجلالاً لعمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم". أهـ.
¥