[زعم الملاحدة أن الصحابة حرضوا على الخليفة عثمان وشاركوا في قتله]
ـ[أبو أنس الاسنوى]ــــــــ[29 - 10 - 10, 09:44 م]ـ
[زعم الملاحدة أن الصحابة حرضوا على الخليفة عثمان وشاركوا في قتله]
الشبهة: زعمت بعض الروايات أن الصحابة بالمدينة هم الذين حرّضوا رؤوس الفتنة على الثورة على عثمان، وكاتبوهم بالقدوم إليه لقتله،وأنهم شجّعوهم على ذلك،و رضوا بقتله. فهل هذا الزعم صحيح؟.
الجواب: أولا:
هذا زعم باطل، لأن الروايات [1] التي زعمت ذلك أسانيدها ضعيفة، و تخالفها روايات أخرى صحيحة الأسانيد [2].
· أولها –أي الضعيفة- ما ورد في كتاب الإمامة و السياسة [3] من أن رؤوس الفتنة عندما رجعوا إلى المدينة ثانية، اخرجوا كتابا للصحابة نسبوه إليهم، فحواه أنهم هم الذين كتبوه و أرسلوه إليهم يطلبون منهم المجيء إلى المدينة ليُخلّصونهم من عثمان الذي ظلم و بدّل السنة،و افسد الدين و الدنيا [4].و هذه الرواية غير صحيحة، لأن راويها ذكرها بلا إسناد،و هذا وحده كاف لردها كلية، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر و تحقيقه، و من ثم فهي تصبح مجرد دعوى فارغة، و الدعوى لا يعجز عنها أحد،و هي رأس مال المفاليسن علميا.
و لأنها أيضا هي نموذج للكتب المزوّرة التي زوّرها رؤوس الفتنة على الصحابة، و قد سبق و أن أثبتنا بالأخبار الصحيحة أن هؤلاء زوّروا كتبا على الصحابة [5]. و لأنها أيضا أن الذي رواها في كتاب الإمامة مجهول أو مشكوك فيه، لأن هذا الكتاب غير ثابت النسبة لابن قتيبة (ت276ه)، و مليء بالأخطاء، لذا فالراجح أن مؤلفه مجهول مغرض كذاب [6]، و كتاب هذه حالته لا يُوثق فيه.
· و الرواية الثانية مفادها أن الصحابة خذلوا عثمان بن عفان عندما حاصره الأشرار، و لم يُدافعوا عنه، فلما قُتل ندموا على فعلهم، ظنا منهم أن الأمر لا يبلغ إلى قتله [7]. و هذه الرواية إسنادها ضعيف، لأن من رجالها: محمد بن عمر الواقدي، و هو ضعيف متروك كذاب [8]. و أما متنها فهو الآخر ترده روايات صحيحة تثبت دفاع الصحابة عن عثمان،و عدم تواطئهم مع الأشرار [9].
· و الثالثة ما رواه المؤرخ اليعقوبي من أن طلحة و الزبير و عائشة هم أكثر الصحابة تأليبا على عثمان [10]. و خبره هذا مردود عليه، لأنه رواه بلا إسناد، و من ثم فهو مجرد زعم،و الزعم لا يعجز عنه أحد، و اليعقوبي نفسه غير ثقة، فهو معروف بأنه شيعي متعصب، ملأ كتابه بالأكاذيب و الأباطيل و الخرافات [11].
· و الرواية الرابعة مفادها أنه في سنه 34 هجرية تكاتب الصحابة فيما بينهم أن أقدموا إلى المدينة إن كنتم تريدون الجهاد، فالجهاد عندنا –أي في عثمان-، فكان الناس يطعنون في عثمان و ينالون منه،و الصحابة يسمعون ذلك و لا يُنكرونه، و لا يذبون عنه، إلا قلة قليلة منهم، كزيد بن ثابت،و كعب بن مالك [12]. و هذه الرواية هي كالروايات السابقة، إسنادها لا يصح، لأن فيه محمد بن عمر الواقدي،و هو متروك، كذاب، يمارس التقية [13]. و متنها ترده أخبار صحيحة يأتي ذكرا قريبا.
· و الخامسة مفادها أن الصحابة بالمدينة لما رأوا ما أحدث عثمان كتبوا إلى الصحابة الذين بالأمصار، أن تعالوا إلى الجهاد في المدينة، لتقيموا دين الإسلام، فعادوا و قتلوا عثمان، ثم تزعم الرواية أن عثمان قبل أن يُقتل أرسل إلى واليه بمصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح كتابا يأمره بمعاقبة وفد مصر القادم إليه، لكن الكتاب اكتشف و عادوا إليه ناقمين [14].
و هذا الخبر هو أيضا لا يصح، فإسناده فيه: محمد بن إسحاق بن يسار، و هو متهم بالكذب و يُدلّس، قال عنه الدارقطني لا يُحتج به،و ضعّفه يحيى بن معين،و وثّقه مرة أخرى [15]. و متنه مُنكر، لأنه سبق و أن أثبتنا أن الذي زوّر الكتاب الذي أظهره الأشرار، ليس عثمان،و لا كاتبه مروان، و إنما الأشرار هم الذين زوّروه [16]،و قد أثبتنا سابقا أن الذين قتلوا عثمان هم أهل مصر،و أن جبلة بن الأيهم هو الذي قتله بيده. كما أن هذا الخبر فيه تناقض صارخ، فهو يزعم أن الصحابة قدموا من الأمصار و قتلوا عثمان، ثم هو من جهة أخرى يقول أن وفد مصر حصر المدينة ثم رجع إلى بلده، و في الطريق عثروا على الكتاب فرجعوا إلى عثمان غاضبين عليه. و هذا يعني أنهم هم الذين قتلوا عثمان، و ليس الصحابة،
¥