أرني إياه حتى أنظر إليه.
المثال الخامس: من قواعدهم المسلّمة وكلماتهم الدارجة المنتشرة، قول عبدالله بن علوي الحداد:
وسلِّم لأهل الله في كل مُشْكِلٍ لديك، لديهم واضحٌ بالأدلةِ [7] ( http://www.soufia-h.net/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn7)
وقول الآخر:
وإذا لم تر الهلال فسلِّم لأناسٍ رأوه بالأبصار
هذه خمسة أمثلة تدل كلها على ما عنونا له في هذا المطلب، وهو تربية الأمة على الرضوخ والاستسلام وإلغاء العقول وتجاوز القواعد والأصول الشرعية؛ لأجل أن يمشي ما يريده القوم، ويسلم لهم ما يأتون من أقوال وأفعال دون حاجة إلى أدلة شرعية أو عقلية، وقد اقتصرتُ على هذه الأمثلة الخمسة مع وجود الكثير من الأمثلة في تراث صوفية اليمن، أما صوفية البلاد الأخرى فلا أخال قواعدها في هذا الموضوع خافية على المتابع لتواريخهم.
المطلب الثاني: استخدام الخرافة [8] ( http://www.soufia-h.net/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn8) والشعوذة [9] ( http://www.soufia-h.net/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn9) والاستعانة بالجن لإرهاب المخالف:
لقد سعى الصوفية والباطنية لترسيخ وتعميق القدرات الخارقة للأئمة والأولياء، حتى لقد بالغوا في ذلك، فوصفوهم بعلم الغيب وتصريف الكون والقدرة على إظهار الخوارق التي لم يُظهر مثلها الأنبياء، وأنهم قادرون على أن يتجزءوا بأجسادهم، وأن يكون الواحد منهم في عدة أماكن في آن واحد، وكل ذلك قد مر، حتى أصبح حكم الناس على صلاح الشخص هو إظهاره تلك الخوارق مع ادعاء الولاية، وعندما ترسَّخ ذلك في أذهان المجتمع، وتربى عليه، بادروا بافتراء الأكاذيب ورواية الخرافات عمن يريدون أن يسبغوا عليهم صفة الولاية حتى يقنعوا الناس بولايتهم، كما بادر طلاب الجاه والمناصب في الرياضات الموصلة إلى خرق العادات، وتعلموا أنواعاً من علوم السحر، حتى أتقنوا ذلك، وعملوا به، وعقدوا الصلح مع الجن؛ ليقوموا لهم بأعمال خارقة يطلعونهم على مغيبات واقعة، ثم جعلوا ذلك كله سلاحاً يشهرونه في وجه كل من يخالفهم، وينكر عليهم، وهذه عدة أمثلة توضح ذلك وتثبته:
المثال الأول: ما ذكره الشلي في ترجمة محمد بن علي مولى الدويلة، قال: (وتواجد يوماً بحضرة عمه الشيخ الإمام عبدالله بن علوي حتى غُشي عليه، ثم أقيمت الصلاة، فصلى معهم، فلما فرغوا، قال العارف بالله علي بن سلم لعمه عبدالله: صلى ابن أخيك بلا وضوء؛ لأنه زال عقله، فأخبره عمه بقول الفقيه علي بن سلم فقال: وعزة الحق إني توضأت، وشربت من الكوثر، ونفض لحيته، فتقاطر منها الماء، ثم قال: يا فقيه، نزل علينا شيء لو نزل على الجبال لدكت، ثم أنشأ يقول:
الحب حبي والحبيب حبيبي والسبق سبقي قبل كل مجيب
نوديت فأجبت المنادي مسرعاً وغطست في بحر الهوى وغدي بي
لي تسعة وثلاثة مع تسعة والعقد لي وحدي وعلا نصيبي
ما تعلموا أني المقدم في الملا ليلة سرى باليثربي سرى بي) [10] ( http://www.soufia-h.net/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn10).
فانظر إلى هذه الدعوى العريضة والتي برهانها أنه نفض لحيته، فتقاطر الماء منها، ولو كان ذلك الماء من ماء الكوثر، هل سيذهب هكذا هدراً ولا يعرف له ميزة عن غيره من المياه، ولا تظهر له رائحة، ولا يبقى في موضعه؟ إلى آخر ما يمكن أن يظهر من الدلائل، ثم أعجبُ لهذا الفقيه وسرعة تصديقه وتسليمه واقتناعه بما حكى هذا الرجل عن نفسه!.
المثال الثاني: ذكر الشلي في ترجمة الشيخ عمر المحضار أنه قال: (قال لابن أخيه الشيخ عبدالله العيدروس: أن رجلاً يغضب لغضبه جبار السماوات، وأشار إلى نفسه) [11] ( http://www.soufia-h.net/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn11)، ثم استدل الشلي على إثبات ذلك بقوله: (وكان إذا غضب على أحد أصابه الجذام وغيره من الأسقام بعد ثلاثة أيام، فقيل له: أما تخشى أن ينالك بهذا شيء؟ فقال: إني لم أدعُ على أحد، ولكني إذا غضبت على أحد، وقع في باطني نار لا تنطفئ إلا بعد ما يصيبه ذلك المرض، أو يتوب) [12] ( http://www.soufia-h.net/newthread.php?do=newthread&f=5#_ftn12).
¥