لكن هذا الدليل إن طلبوا به أنه لم يزل مؤثرا في شيء بعد شيء؛ فهذا يناقض قولهم، وهو حجة عليهم، وإن أرادوا أنه كان [في الأزل] مؤثرا تاما في الأزل لم تتجدد مؤثريته لزم من ذلك أنه لا يحدث عنه شيء بعد أن لم يكن حادثا، فيلزم أن لا يحدث في العالم شيء، ولهذا عارضهم الناس بالحوادث اليومية، وهذا لازم لا محيد لهم عنه، وهو يستلزم فساد حجتهم،.
وإن أرادوا أنه مؤثر في شيء معين فالحجة لا تدل على ذلك، وهو أيضا باطل من وجوه، كما قد بسط في موضع آخر، فالمؤثر التام يراد به المؤثر في كل شيء، والمؤثر في شيء معين، والمؤثر تأثيرا مطلقا في شيء بعد شيء، فالأول هو الذي يجعلونه موجب حجتهم، وهو يستلزم أن لا يحدث شيء، فعلم بطلان دلالة الحجة على ذلك. ويراد به التأثير في شيء بعد شيء، فهذا موجب الحجة، وهو يستلزم فساد قولهم، وأنه ليس في العالم شيء قديم، بل لا قديم إلا [الرب] رب العالمين. ويراد به التأثير في شيء معين، فالحجة لا تدل على هذا، فلم يحصل مطلوبهم بذلك، بل هذا باطل من وجوه أخرى.
فبهذا التقسيم ينكشف ما في هذا الباب من الإجمال والاشتباه، فكل حادث معين فيقال: هذا الحادث المعين إن كان مؤثره التام موجودا في الأزل لزم جواز تأخير الأثر عن مؤثره التام فبطل قولهم.
وإن قيل: بل لا بد أن يحدث تمام مؤثره عند حدوثه، فالقول في حدوث ذلك التمام كالقول في حدوث تمام الأول. وذلك يستلزم التسلسل في حدوث تمام التأثير. وهو باطل بصريح العقل، فيلزم على قولهم حدوث الحوادث بغير سبب حادث. وهذا أعظم مما أنكروه على المتكلمين من التسلسل.
342ج2
ومتنازعون في أن الأمور المتجددة الحادثة هل يمكن تسلسلها ودوامها في الماضي والمستقبل، أو في المستقبل دون الماضي، أو يجب تناهيها وانقطاعها في الماضي والمستقبل؟ على ثلاثة أقوال معروفة.
360ج2
وقد ذكر بعض الناس بين الماضي والمستقبل فرقا بمثال ذكره كما ذكره صاحب الإرشاد وغيره وهو أن المستقبل بمنزلة ما إذا قال قائل: لا أعطيك درهما إلا أعطيتك بعده درهما، وهذا كلام صحيح، والماضي بمنزلة أن يقول: لا أعطيك درهما إلا أعطيتك قبله درهما، وهذا كلام متناقض.
ج3/ 10
فليس كل حكم ثبت للذوات يحتاج إلى علة، إذ ذلك يفضي إلى تسلسل العلل وهو باطل باتفاق العلماء ..
38ج3
ولا تناقض بين اشتراكها في عدم الابتداء ووجود أشخاصها دائما إلا إذا قيل: يمتنع جنس الحوادث الدائمة ..
ج3/ 51
ثم ما لا يتناهى في المستقبل موجود باتفاق أهل الملل وعامة الفلاسفة، ولم ينازع في ذلك إلا من شذ كالجهم وأبي الهذيل ونحوهما ممن هو مسبوق بإجماع المسلمين محجوج بالكتاب والسنة، مخصوم بالأدلة العقلية مع مخالفة جماهير العقلاء من الأولين والآخرين.
60ج3
فتبين أن الجواب فيه مغلطة، وحقيقة الجواب [أي جواب الآمدي] أنه يجب الحكم على الجملة بما يحكم به على أفرادها، وقد بين هو وغيره فساد هذا الجواب، فإنه إذا كان بعض الجملة أزليا كان ذلك سلبا للأزلية عن أفراد الجنس ونفي الأزلية هو الحدوث فيصير معنى الكلام إذا كان كل واحد من الأفراد أو الأبعاض المتعاقبة حادثا وجب أن يكون الجنس المتعاقب حادثا وقد عرف فساد هذا الكلام.
65ج3
وكون المعلول والمفعول لا يكون مفعولا معلولا إلا بعد عدمه هو من القضايا الضرورية التي اتفق عليها عامة العقلاء من الأولين والآخرين.
110ج3
ولهذا اتفق العقلاء على أنه لا يجوز أن يكون كل من الشيئين فاعلا للآخر، لا بمعنى كونه علة فاعلة ولا بغير ذلك من المعاني، وأما كون كل من الشيئين شرطا للآخر فإنه يجوز، وهذا هو الدور المعي، وذاك هو الدور القبلي
ج3/ 117
والتسلسل الذي يسمى التسلسل في العلل والمعلولات والمؤثر والأثر والفاعل والمفعول والخالق والمخلوق هو ممتنع باتفاق العقلاء وبصريح المعقول، بل هو ممتنع في بديهة العقل بعد التصور، وهو الذي أمر النبي بالاستعاذة منه في قوله يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ فيقول الله، فيقول: من خلق الله، فإذا وجد ذلك أحدكم فليستعذ بالله ولينته.
157ج3
¥