تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد روي الحديث عن ابن عباس من خمس طرق - على ما ذكر ابن كثير - وبعضها في الصحيح، وليس في شيء من هذه الطرق ذكرُ الردّة؛ إلا في رواية عكرمة، ولم نجد هذه الرواية مروية عن عكرمة إلا من طريق هلال بن خبّاب، وتلاميذ عكرمة الذين رووا عنه السنّة كُثر، ولم يروِ أحد منهم هذا الذي رواه هلال بن خبّاب، وهم أكثر ملازمة لعكرمة من هلال، وأحاديثهم مخرّجة في الصحيح عنه، وأما هلال بن خبّاب فأعرض صاحبا الصحيح عن إخراج حديثه بالمرة؛ لأنه تغيّر قبل موته بسبب كبر سنّه، ومثله لا يحتمل منه التفرُّد بهذه الرواية، وفيها ما تقدم ذكره مما ينكر عليه من لفظها.

فهذا ما يتعلق بالرواية من حيث السندُ، أما نقدها من حيث المتنُ، فهي منكرة؛ للأسباب التالية:

(1) حديث أبي سفيان مع هرقل، وفيه سؤال هرقل لأبي سفيان - وكان حين ذلك مشركًا -: هل يرتد أحدٌ منهم - يعني أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم - سخطة لدينه بعد أن يدخله، قال أبو سفيان: لا.

فلو كانت حادثة الارتداد عن الإيمان صحيحة لما أقرّ أبو سفيان بذلك؛ بل كان يقول له: نعم، هناك من ارتدّ عن الإيمان به لمّا حصل كذا وكذا.

(2) في متن هذا الحديث من هذا الطريق ألفاظ أخرى منكرة تدل على عدم ثبوته؛ كقوله: "ورأى الدجال في صورته رؤيا عين، ليس رؤيا منام ... "، وذكر صفته، فلو كان - صلى الله عليه وسلم - رآه في تلك الليلة؛ لما التبس الأمر عليه بابن صيّاد بعد أن هاجر إلى المدينة، بل كان يعرفه بعد أن رآه رأيَ العين، وبالأخص ما ذكر في الحديث من علاماته التي لا تخفى، ومنها قوله: ((رأيته فيلمانيًّا أقمر هِجَانًا، إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دُرِّيّ، كأن شعر رأسه أغصان شجرة))، وبعض هذه الأوصاف من أنها لم تكن في ابن صياد، كذكر العين؛ فإن عينه كانت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - سليمة، وإنما نَفَرت بعد ذلك كما يدلّ عليه حديث ابن عمر عند مسلم في "صحيحه" (2932).

(3) إن الصحابة كانوا وقت حادثة الإسراء قلة قليلة، معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم، وحفظت لنا كل الحوادث التي مرت بهم في تلك الفترة، فنقل إلينا خبر إسلامهم وتعذيبهم، وهجرتهم الأولى والثانية إلى الحبشة، ومن مات منهم، ومن ولد له، كلُّ ذلك باسم كلٍّ منهم، فلا يعقل أن يحدث لأحد منهم هذا الحدث - وهو الردة عن الإسلام - ثم لا ينقل لنا اسم أحد من هؤلاء المرتدين، فلم يُسمَّ لنا - من طريق صحيح أو ضعيف - اسم شخص على أنه ممن ارتد بعد حادثة الإسراء، ومعلوم أنه لا يمكن أن تنقل لنا أحداثٌ أقل من هذا شأنًا، ويترك ذكر ذلك.

(4) أن كل مؤمن برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - يؤمن بأن جبرائيل ينزل من السماء على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - في لحظة، فكيف يستبعد أن يُسرى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس في ليلة؟! ولذلك نُقل هذا المعنى عن أبي بكر - رضي الله عنه - في محاجّته للمشركين، وأنه قال لهم: أنا أصدّقه فيما هو أعظم من ذلك بخبر السماء يأتيه في لحظة.

فعُلِمَ من ذلك كله عدم صحة هذه الحادثة، ولشهرتها أطلنا القول فيها؛ تصحيحًا لأحداث السيرة، وبيانًا للحق،، والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير