تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و لم يكتف ابن الجوزي بانتقاد عوام الصوفية و ذمهم، بل انتقد كذلك خواصهم و أعلامهم، كأبي حامد الغزالي،و محمد بن طاهر المقدسي (ت507 ه/1113م)،و عبد القادر الجيلاني (ت 561 ه/1165م). ففيما يخص الغزالي فذكر عنه أنه خالط الصوفية،و أخذ بنصائحهم، ونظر في كتب قدمائهم، فاجتذبه ذلك كلية [30] و أبعده عن قانون الفقه. ثم تعجب منه كيف نزل من رتبة الفقيه إلى رتبة الصوفي؟! حتى أنه-أي الغزالي- قال: لا ينبغي للمريد إذا تاقت نفسه للجماع، أن يأكل و يجامع، فيعطيها شهوتين فتقوى عليه. و هذا-في نظر ابن الجوزي- مخالف للسنة، فقد جمع النبي-عليه الصلاة و السلام- في مأكله شهوتين، فأكل القثاء [31] بالرطب، وطاف على نسائه بغسل واحد. فهلا اقتصر على شهوة واحدة [32].

و تعجب منه في سلبيته تجاه الصوفية و أخذه بنصائحهم المخالفة للفقه، مع معرفته و فهمة. فمن ذلك أنه أخذ بنصيحة أحد كبار الصوفية أمره فيها بترك المواظبة على تلاوة القرآن الكريم،و أن لا يلتفت قلبه إلى أهل و ولد،و لا إلى مال و علم، و يتفرغ لقول: الله، الله،و يواظب عليه حتى يفتح بما فتح على الأنبياء و الأولياء [33]. ثم قال عنه أنه باع الفقه بالتصوف بأرخص الأثمان، عندما ذكر أشياء تخالف الشريعة و لم ينكرها، بل حكاها و استحسنها كوسيلة للتربية و التعليم، منها أنه روى أن بعض الشيوخ عن القيام في الليل، فلزم نفسه القيام على رأسه طول الليل لتطاوعه على القيام. و حكى أن عابدا كان شديد الحب للمال، فعالج نفسه بأن باع كل ما يملك، ورمي بالمال في البحر، ولم يفرقه على الناس خوفا على نفسه من الرياء، و رعونة النفس [34]. و إقدامهما على هذين الفعلين منكر مخالف للشريعة، فهي قد نهت عن إضاعة المال و إذاء الجسم، فالقيام على الرأس يؤدي إلى انعكاس الدم إليه، وهذا يضر بالإنسان و يسبب له أمراضا [35]. كما أن تصرف هذين الرجلين دافعه-على ما يبدو- الجهل أو حب المحمدة، أو كلاهما معا. فالذي جمع ماله-مثلا- و رماه في البحر خزفا من الرياء، كان في مقدوره البحث عن و سيلة أخري يربي بهتا نفسه و لا يضيع بها ماله، و إن أصر على التخلص منه، فليخرج به ليلا أو باكرا –في وقت لا يراه فيه الناس- و يتركه في أي طريق، ليأخذه الناس، أحسن له من أن يرميه في البحر.

و أما محمد بن طاهر المقدسي، فذكر عنه عبد الرحمن بن الجوزي أنه صنف كتابا في التصوف، يضحك ((من يراه،و يعجب من استشهاده على مذاهب الصوفية بالأحاديث التي لا تناسب ما يحتج له من نصرة الصوفية)) [36]. و روى عنه أنه كان يقول بمذهب الإباحية في النظر إلى المردان؛ وله قصيدة فيها التحلل من الشريعة، و مدح النصارى [37].و حكي عنه أنه قال: من سنن الصوفية التي ينفردون بها،و ينتسبون إليها، صلاة ركعتين بعد ارتداء الخرقة و التوبة، واحتج على ذلك بحديث الصحابي ثمامة بن آثال فإنه عندما أسلم أمره الرسول-صلى الله عليه وسلم- بالاغتسال. ثم عقب عليه بقوله: إن ما ذهب إليه ابن طاهر هو من أقبح الجهل، لأن ثمامة كان كافرا فأسلم، فوجب عليه الغسل؛ و ليس في الخبر صلاة ركعتين فيقاس عليها، و لا قال بها العلماء،فهذا ابتداع لا سنة. و من أقبح الأشياء قوله أن الصوفية ينفردون بسنن، فهي و إن كانت من الشرع فالمسلمون كلهم مطالبون بها، وإن لم تكن منه فهم الذين اخترعوها [38].

ثم أشار ابن الجوزي إلى أن العلماء الذين مدحوا ابن طاهر المقدسي، إنما أثنوا عليه لأجل حفظه للحديث، وإلا فالجرح أولى به. وتعجب من الحافظ أبي سعد عبد الكريم السمعاني (ت563 ه/1167م) من انتصاره لابن طاهر بلا شيء، إلا قوله: ((لعله تاب)) [39]. لكن المحدث محمد بن عبد الهادي المقدسي (ت744 ه/1343م) أنكر أن يكون ابن طاهر يقول بالإباحة المطلقة، لأنه من أهل الحديث المعظمين للآثار، لكنه أخطأ في إباحة السماع و النظر للمرد [40].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير