تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأقول-ردا عليه-: إنه بالغ في تعظيم الأمر و نفخه،لأن ابن الجوزي لم يخص الصوفية بالانتقاد دون غيرهم من الطوائف، فقد انتقد المتكلمين و الفلاسفة، و الشيعة و الخوارج، و الفقهاء و الوعاظ، و الولاة و السلاطين، و القراء و عامة الناس [50].و لم يكن ساكتا عن كل ما يجري في مجتمعه، فكثيرا ما كان في مجالسه الوعظية ن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، ويحذر الناس و الأمراء و الأعيان من مغبة الظلم، و الانحراف عن الشرع [51].و كان أبو الوفاء بن عقيل ينكر على الصوفية و رجال الدولة على حد سواء، وله إلى بعضهم رسائل تحذير و انتقاد [52]. و للفقيه أبي الفضل بن أحمد العلثي الحنبلي (ت643 ه/1236م) مواقف شجاعة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، على الخليفة ومن دونه من المسؤولين، و الفقهاء و الصوفية، فتعرض للمضايقات، ودخل السحن [53]. كما أنة كثيرا من الصوفية كانوا طرفا في اللعبة السياسية، لأن معظم أربطتهم بناها لهم الخلفاء و السلاطين و الأمراء، و أوقفوا عليها أوقافا كثيرة تضمن لهم فيها العيش الرغيد، و شجعوهم على مجالس الغناء؛ مقابل الولاء و الدعاء لهم بتخليد الملك و استمرار المدد.

كما أن ابن الجوزي لم ينفرد بانتقاد الصوفية و ذمهم، فقد انتقدهم ابن عقيل، و أبو حامد الغزالي، وتاج الدين السبكي [54]، وقال عنهم الأديب كمال الدين بن جعفر الأدفوي الشافعي (ت748 ه/1347م): إن الغفلة و الجهل فيهم كثير، و أن بعضهم ينكر بداهة العقول،و يؤمن باجتماع النقيضين لفرط جهلهم [55].و أنكر على طائفة منهم حضور مجالس الغناء بالشبابات و الدفوف، مع الرجال و النساء، و الشباب و المردان، و وصف أفعالهم هذه بأنها بدع فظيعة شنيعة [56].

ثالثا: نقد ابن تيمية للتصوف وأهله:

انتقد شيخ الإسلام بن تيمية الصوفية في منهاجهم الصوفي، فهم-في نظره- قد عظموا الإرادة القلبية و ذموا الهوى، و أهملوا النظر العقلي. ثم كثيرا منهم لم يميز بين الإرادة الشرعية الموافقة للكتاب و السنة، و بين الإرادة البدعية المخالفة لهما ز فهم على عكس المتكلمين الذين عظموا النظر، واعرضوا عن الإرادة القلبية، لكنهم مثل الصوفية في عدم الاعتصام بما جاء به الرسول-عليه الصلاة و السلام-. لكنه اعترف بأن في طريق الصوفية أمورا محمودة في الشرع، قد لا يعرفها منتقدوهم من المتكلمين [57].

و أشار إلى أن من أخطاء الصوفية أنه تقع لهم في بواطنهم أشياء، فيظنون أنها في الخارج؛ فمن ذلك أن جماعة منهم عندما يغلب عليهم الذكر و المحبة و المعرفة، و ينعكس ذلك على قلوبهم و يحصل لهم ذوق و استغراق، يظنون أن ما يجدونه في باطنهم أمرا مشهودا بعيونهم، فيدعون أنهم يرون الله تعالى بأبصارهم، و هذا غلط و ضلال، لأن أهل السنة متفقون على أن الله لا يراه أحد بعينيه في الدنيا، لما رواه مسلم من أن النبي-عليه الصلاة و السلام- قال: ((و اعلموا أن أحدا منكم لن ير ربه حتى يموت)) [58].

و انتقدهم في بعض سلوكياتهم، منها أن طائفة منهم تدعي أن أكل الحشيشة المخدرة تنشط على أداء الصلوات و تعين على استنباط العلوم و تصفية الذهن. حتى أنهم يسمونها معدن الفكر و الذكر،و محركة الغرام الساكن.و هذا كله من خدع النفس و مكر الشيطان بهؤلاء لأن تلك الحشيشة هي عمى للذهن،تجعل آكلها أبكما مجنونا لا يعي ما يقول [59]. و منها أنهم يروون احاديث في السماعي عن النبي-عليه الصلاة و السلام – ليست صحيحة،بل هي باطلة موضوعة باتفاق أهل العلم كقولهم أنه-عليه الصلاة والسلام-:تواجد حتى سقطت بردته و أنه مزق ثوبه،و أخذ جبريل بعضه و صعد به إلى السماء [60].

و أعاب ابن تيمية على أبي حامد الغزالي تقسيمه للذكر إلى ثلاثة مراتب،الأولى: قول العامة لا اله إلاّ الله. و الثانية: قول الخاصة الله، الله. و الثالثة: قول خاصة الخاصة، هو،هو.و بدّعه في ذلك لأن الذكر المفرد: الله،الله و المضمر: هو، هو بدعة في الشرع،و خطأ في القول و اللغة. لأن الاسم المفرد ليس هو كلاما، ولا إيمانا، ولا كفرا.و المضمر ليس بمشروع،ولا هو بكلام يعقل،ولا فيه إيمان،و هو معارض للشرع. لأنه قد ثبت في الصحيح أن النبي –صلى الله عليه و سلم- قال: ((أفضل الذكر بعد القرآن وهي من القرآن: سبحان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير