تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ودليل ذلك ما رواه الترمذي (3372) بإسناد جيد من حديث يُسيع، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة" قال الترمذي حسن صحيح.

ومع وضوح هذه القضية الوضوح التام في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أن كثيرا من الناس يعرضون عن دعاء الله عز وجل ويتعلقون بغيره، فمن ذلك ما يفعل عند القبور، يقول ابن القيم محمد بن أبي بكر:

"فمن مفاسد اتخاذها أعيادا: الصلاة إليها، والطواف بها، وتقبيلها واستلامها، وتعفير الخدود على ترابها، وعبادة أصحابها، والاستغاثة بهم وسؤالهم النصر والرزق والعافية، وقضاء الديون، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وغير ذلك من أنواع الطلبات، التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم.

فلو رأيت غلاة المتخذين لها عيدا، وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد فوضعوا لها الجباه، وقبلوا الأرض وكشفوا الرؤوس، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج، ورأوا أنهم أربوا في الربح على الحجيج فاستغاثوا بمن لا يبدي ولا يعيد، ونادوا ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين، ورأوا أنهم قد أحرزوا من الأجر ولا أجر من صلى إلى القبلتين، فتراهم حول القبر ركعا سجدا يبتغون فضلا من الميت ورضوانا، وقد ملؤوا أكفهم خيبة وخسرانا، فلغير الله بل للشيطان ما يراق هناك من العبرات، ويرتفع من الأصوات، ويطلب من الميت من الحاجات ويسأل من تفريج الكربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومعافاة أولي العاهات والبليات ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيها له بالبيت الحرام الذي جعله الله مباركا وهدى للعالمين، ثم أخذوا في التقبيل والاستلام، أرأيت الحجر الأسود وما يفعل به وفد البيت الحرام، ثم عفوا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تعفر كلك بين يديه في السجود، ثم كملوا مناسك حج القبر بالتقصير هناك والحلاق، واستمتعوا بخلاقهم من ذلك الوثن إذ لم يكن لهم عند الله من خلاق، وقربوا لذلك الوثن القرابين وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين، فلو رأيتهم يهنّي بعضهم بعضا ويقول أجزل الله لنا ولكم أجرا وافرا وحظا، فإذا رجعوا سألهم غلاة المتخلفين أن يبيع أحدهم ثواب حجة القبر بحج المتخلف إلى البيت الحرام، فيقول: لا، ولو بحجك كل عام.

هذا ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم، ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم: إذ هي فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال. وهكذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح وكل من شم أدنى رائحة من العلم والفقه يعلم أن من أهم الأمور سد الذريعة إلى هذا المحذور، وأن صاحب الشرع أعلم بعاقبة ما نهى عنه لما يؤول إليه، وأحكم في نهيه عنه وتوعده عليه، وأن الخير والهدى في اتباعه وطاعته، والشر والضلال في معصيته ومخالفته.

ورأيت لأبي الوفاء بن عقيل في ذلك فصلا حسنا، فذكرته بلفظه، قال: لما صعُبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران، وتقبيلها وتحليقها وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ تربتها تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجرة، اقتداء بمن عبد اللات والعزى، والويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكف، ولم يتمسح بآجُرّة مسجد الملموسة يوم الأربعاء".1

ومن ذلك ما قاله أحدهم مستغثياً بالرسول صلى الله عليه وسلم:

يا ملاذي يا منجدي يا منائي

يا معاذي يا مقصدي يا رجائي

يا نصيري يا عمدتي يا مجيري

يا خضيري يا عدتي يا شفائي

أدرك أدرك أغث أغث يا شفيعي

عند ربي واعطف وجد بالرضاء

أنت عوني وملجئي وغياثي

وجلا كربتي وأنت غنائي

فماذا ترك هذا لله من عبودية؟!

ويقول آخر:

بباب سهام سبعة من مشايخ

لقاصدهم ذخر وكنز لمقلل

فيونس إبراهيم مرزوق جبرتي

وأفلح صياد كذا ابن الرضى علي

زيارتهم نجح لكل حوائج

وفي الخلد سكنى للذي زار مقبل

قال مصطفى لطفي المنفلوطي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير