[القول بخلق القرآن كفر، للشيخ عبد العزيز العبد اللطيف.]
ـ[أبو غانم المروي]ــــــــ[27 - 11 - 10, 02:53 ص]ـ
لِمَ كان القول بخلق القرآن كفراً؟
حكى الإمام اللالكائي (ت 418هـ) مقالة السلف الصالح: أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن من قال بخلقه فهو كافر، وأسندها إلى خمس مائة وخمسين إماماً، سوى الصحابة الأخيار - رضي الله عنهم (1) - ثم قال:
«ولو اشتغلتُ بنقل قول المحدِّثين لبلغتْ أسماؤهم ألوفاً كثيرة، لكني اختصرت وحذفت الأسانيد للاختصار، ونُقلَتْ عن هؤلاء عصراً بعد عصر لا ينكِر عليهم مُنكِر، ومن أنكر قولهم استتابوه، أو أمروا بقتله، أو نفيه، أو صلبه (2)».
والأدلة على كون القرآن كلام الله غير مخلوق أكثر من أن تُحصَر، ومن ذلك أن الله - تعالى - فرق بين الخلق والأمر في قوله - تعالى -: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 45]؛ فالخلق خلق الله، والأمر: القرآن.
كما فرَّق - سبحانه - بين عِلْمه وخَلْقه، فقال - عز وجل -: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الإنسَانَ} [الرحمن: 1 - 3]؛ فالقرآن عِلمُه، والإنسان خَلْقُه؛ فعلمه - تعالى - غير مخلوق. قال - سبحانه -: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [آل عمران: 16]؛ فالعلم هاهنا هو القرآن.
وفي حديث خولة بيت حكيم - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يقول: «من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شرِّ ما خلق، لم يضرَّه شيء حتى يرحل من منزله ذلك (3)».
فلكمات الله غير مخلوقة؛ إذ لا يُشرَع الاستعاذة بمخلوق، وإنما يستعاذ بالله - تعالى - وبأسمائه وصفاته.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: «فَضْل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه (4)»؛ فلو كان كلام الله مخلوقاً لم يكن فضل ما بينه وبين سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وليس شيء من المخلوقين من التفاوت في فضل ما بينهما كما بين الله وبين خَلْقِه (5)».
فالقول بخلق القرآن كفر ظاهر؛ إذ هو تكذيب لنصوص الوحيين، وإلحاد في أسماء الله وصفاته، وتعطيل لما يحب الله - عز وجل - من الكمال، أفيقال بعد هذا: إن هذه المسألة ليست من أصول الدين (6)؟
أيُظَن أن السلف الصالح يكفِّرون ويغلِّظون على من خالفهم في مسألة فروعية؟
أيُظَن أن الإمام أحمد بن حنبل يُعرِّض نفسه للتلف لأجل مسألة يسوغ فيها الخلاف؟
فلقد كابد الإمام أحمد السجن أكثر من عامين، وتخلَّى عنه الناس، وتوالت عليه السياط، وعانى الضرب الشديد حتى تخلَّعت يداه، وتفاقمت جروحه، ومُنِع من صلاة الجمعة والجماعة ... أفيكون ذلك كله لأجل أمر اجتهادي؟ رحم الله الإمام علياً بنَ المدني؛ إذ يقول: «أعز الله الدين بالصدِّيق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة (8)»، بل قال بِشْر الحافي بشأن الذين أجابوا في المحنة: «وددت أن رؤوسهم خُضِّبت بدمائهم، وأنهم لم يجيبوا».
والمقصود أن القول بخلق القرآن من أشنع الزندقة وأخبثها، وقد أدرك سلفنا الصالح فداحة هذه الزندقة ومآلاتها، وبيَّنوا مناقضتها لأصول الإسلام؛ سواء في الدلائل أو المسائل:
فأما الدلائل: فإن القول بخلق القرآن باعثُه القياس الفاسد والعقل المريح؛ فهو تحاكم وتسليم لعلم الكلام والابتداع، وإعراض واعتراض على نصوص الوحيين (أصدق الكلام وخير الهدي (9)).
لقد أكمل الله - تعالى - لأمة الإسلام الدين وأتم عليهم النعمة: «فنحن نعلم أن كل حق يحتاج الناس إليه في أصول دينهم لا بد أن يكون مما بيَّنه الرسول "صلى الله عليه وسلم"؛ فكيف يجوز أن يترك الرسول أصول الدين التي لا يتم الإيمان إلا بها لا يبينها للناس؟
وهذا مما احتج به علماء السُّنة على من دعاهم إلى قول الجهمية القائلين بخلق القرآن، وقالوا: إن هذا لو كان من الدين الذي يجب الدعاء إليه لعرَّفه الرسول "صلى الله عليه وسلم"، ودعا أمته إليه ... فكل من دعا إلى شيء من الدين بلا أصل من كتاب الله وسُنة رسوله لقد دعا إلى بدعته وضلالته (10)».
¥