تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ذكرنا من الكتاب والسنة في ذكر وجه ربنا بما فيه الغنية والكفاية. ونزيده شرحًا فاسمعوا الآن أيها العقلاء: ما نذكر من جنس اللغة السائرة بين العرب، هل يقع اسم المشبهة على أهل الآثار ومتبعي السنن؟

نحن نقول وعلماؤنا جميعا في جميع الأقطار: أن لمعبودنا عز وجل وجهًا كما أعلمنا الله في محكم تنزيله، فذوّاه (12) بالجلال والإكرام، وحكم له بالبقاء، ونفى عنه الهلاك.

ونقول: إن لوجه ربنا عز وجل من النور والضياء والبهاء ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره، محجوب عن أبصار أهل الدنيا، لا يراه بشر ما دام في الدنيا الفانية.

ونقول: إن وجه ربنا القديم لا يزال باقيا، فنفى عنه الهلاك والفناء.

ونقول: إن لبني آدم وجوها كتب الله عليها الهلاك، ونفى عنها الجلال والإكرام، غير موصوفة بالنور والضياء والبهاء التي وصف الله بها وجهه. تدرك وجوه بني آدم أبصار أهل الدنيا، لا تحرق لأحد شعرة فما فوقها لنفي السبحات عنها التي بيّنها نبينا المصطفى لوجه خالقنا.

ونقول: إن وجوه بني آدم محدثة مخلوقة، لم تكن فكوّنها الله بعد أن لم تكن مخلوقة، أوجدها بعد ما كانت عَدَمًا، وإن جميع وجوه بني آدم فانية غير باقية، تصير جميعا ميتًا، ثم تصير رميمًا، ثم ينشئها الله بعد ما قد صارت رميما، فتلقى من النشور والحشر والوقوف بين يدي خالقها في القيامة ومن المحاسبة بما قدمت يداه، وكسبه في الدنيا، ما لا يعلم صفته غير الخالق البارئ. ثم تصير إما إلى جنة منعمة فيها، أو إلى النار معذبة فيها، فهل يخطر -يا ذوى الحجا- ببال عاقل مركب فيه العقل، يفهم لغة العرب، ويعرف خطابها، ويعلم التشبيه، أن هذا الوجه شبيه بذاك الوجه؟

وهل ها هنا -أيها العقلاء- تشبيه وجه ربنا جل ثناؤه الذى هو كما وصفنا وبينا صفته من الكتاب والسنة بتشبيه وجوه بني آدم التي ذكرناها ووصفناها غير اتفاق اسم الوجه، وإيقاع اسم الوجه على وجه بني آدم كما سمّى الله وجهه وجها؟

ولو كان تشبيها من علمائنا لكان كل قائل: أن لبني آدم وجها، وللخنازير، والقردة، والكلاب، والسباع، والحمير، والبغال، والحيات، والعقارب، وجوهًا قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب وغيرها مما ذكرت. ولست أحسب أن أعقل الجهمية المعطلة عند نفسه، لو قال له أكرم الناس عليه: وجهك يشبه وجه الخنزير، والقرد، والدب، والكلب، والحمار، والبغل، ونحو هذا، إلا غضب، لأنه خرج من سوء الأدب في الفحش في المنطق من الشتم للمشبه وجهه بوجه ما ذكرنا، ولعله بعد يقذفه ويقذف أبويه.

ولست أحسب أن عاقلا يسمع هذا القائل المشبه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا إلا ويرميه بالكذب، والزور، والبهت، أو بِالعَتَهِ، والخبل، أو يحكم عليه بزوال العقل، ورفع القلم، لتشبيه وجه ابن آدم بوجوه ما ذكرنا. فتفكروا يا ذوى الألباب: أوجوه ما ذكرنا أقرب شبها بوجوه بني آدم أو وجه خالقنا بوجوه بني آدم؟

فإذا لم تطلق العرب تشبيه وجوه بني آدم بوجوه ما ذكرنا من السباع، واسم الوجه قد يقع على جميع وجوهها كما يقع اسم الوجه على وجوه بني آدم، فكيف يلزم أن يقال لنا: أنتم مشبهة؟

ووجوه بني آدم ووجوه ما ذكرنا من السباع والبهائم محدثة، كلها مخلوقة، قد قضى الله فناءها وهلاكها، وقد كانت عَدَمًا فكوّنها الله وخلقها وأحدثها. وجميع ما ذكرناه من السباع والبهائم لوجوهها أبصار، وخدود، وجباه، وأنوف، وألسنة، وأفواه، وأسنان، وشفاه؛ ولا يقول مركب فيه العقل لأحد من بني آدم: وجهك شبيه بوجه الخنزير، ولا عينك شبيهة بعين قرد، ولا فمك فم دب، ولا شفتاك كشفتي كلب، ولا خدك خد ذئب، إلا على المشاتمة كما يرمي الرامي الإنسان بما ليس فيه.

فإذا كان ما ذكرنا على ما وصفنا، ثبت عند العقلاء وأهل التمييز أن من رمى أهل الآثار، القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم، بالتشبيه، فقد قال الباطل والكذب والزور والبهتان، وخالف الكتاب والسنة، وخرج من لسان العرب» (13).

للمزيد يُرجى مراجعة مقال: «ما هو التشبيه في صفات الله؟»:

http://as-salaf.com/article.php?aid=82 (http://as-salaf.com/article.php?aid=82)

مواضيع ذات صلة:

هل صفات الله حقيقية أم غير حقيقية؟ ( http://as-salaf.com/article.php?aid=101&lang=ar)

_______

(1) الحجة في بيان المحجة لاسماعيل الأصبهاني (ج2 ص186)

(2) من أدلة صفة اليد لله عز وجل قوله تعالى {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]

(3) رُوع القلب: ذِهنُه وخَلَدُه. يُقال: رجع إليه رُوعُه ورُواعُه إذا ذهب قلبه ثم تاب إليه. (كتاب العين للخليل الفراهيدي 2/ 242)

(4) نقله ابن تيمية في تلبيس الجهمية (ج2 ص167 - 168)، وفي رسالته العرشية (ج1 ص20)؛ ورواه ابن بطة في الإبانة بسنده إلى الماجشون؛ وروى اللالكائي جزءًا من الرسالة في كتابه "شرح اعتقاد أصول أهل السنة" (ج3 ص502) من طريق ابن أبي حاتم الذي رواه بسنده إلى الماجشون في كتابه "الرد على الجهمية".

(5) الأسماء والصفات للبيهقي (ج2 ص415)؛ وتفسير عبد الرزاق الصنعاني (ج2 ص142)؛ ومعاني القرآن للفراء (ج2 ص384)

(6) معاني القرآن للنحاس (ج6 ص16) تحقيق: محمد علي الصابوني.

(7) رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه بسند رواته ثقات (ج11 ص423) تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي -الطبعة الأولى - منشورات المجلس العلمي؛ ورواه أيضا في تفسيره (ج2 ص239). ورواه ابن أبي عاصم في "السنة" (ج1 ص339)

(8) نقض الدارمي (ج2 ص688 - 689)

(9) نقض الدارمي (ج2 ص909 - 910)

(10) فتح الباري لابن رجب الحنبلي (ج7 ص230 - 231)

(11) الاستذكار لابن عبد البر (ج2 ص528)

(12) أي وصفه بـ «ذو»

(13) كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب لابن خزيمة (ج1 ص53)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير