وكانوا يهدون الهدايا ويرمون الجمار ... وكانوا يكفنون موتاهم ويصلون عليهم، وكانت صلاتهم اذا مات الرجل وحمل على سريره، يقوم وليه فيذكر محاسنه كلها ويثني عليه ثم يدفن ثم يقول: عليك رحمة الله ...
وكانوا يداومون على طهارات الفطرة التي ابتلي بها إبراهيم، وهي الكلمات العشر فأتمهن، خمس في الرأس وخمس في الجسد .. " انتهى
قال الإمام البغوي في تفسير هذه الآية: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) قال قتادة: وذلك أنهم إذا قيل لهم: من ربكم، ومن خلقكم، ومن خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، فيقال لهم: فما معنى عبادتكم الأوثان؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، أي: قربى، وهو اسم أقيم في مقام المصدر: كأنه قال: إلا ليقربونا إلى الله تقريبًا ويشفعوا لنا عند الله، {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} يوم القيامة {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} لا يرشد لدينه من كذب فقال: إن الآلهة تشفع وكفى باتخاذ الآلهة دونه كذبًا [وكفرا] تفسير البغوي - (7/ 104)
قال الإمام الطبري رحمه الله (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) يقول تعالى ذكره: والذين اتخذوا من دون الله أولياء يَتَوَلَّوْنَهُم، ويعبدونهم من دون الله، يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا إلى الله زُلْفَى، قربة ومنزلة، وتشفعوا لنا عنده في حاجاتنا) تفسير الطبري - (21/ 251)
قال الإمام النسفي رحمه الله {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ} [الزمر: 3] أي آلهة وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره: والذين عبدوا الأصنام يقولون {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] مصدر أي تقريباً {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [الزمر: 3] بين المسلمين والمشركين {فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر: 3] قيل: كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السماوات والأرض؟ قالوا: الله، فإذا قالوا لهم: فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى). تفسير النسفى - (4/ 41)
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى ((وأن الوثني إذا قال: لا إله إلا الله فإن كان يزعم أن الوثن شريك لله تعالى صار كافرا وإن كان يري أن الله تعالى هو الخالق ويعظم الوثن لزعمه أنه يقربه إلى الله تعالى لم يكن مؤمناً حتى يتبرأ من عبادة الوثن)) (7/ 303) كتاب الردة من كتاب روضة الطالبين للنووي.
واعلم أن الشفاعة الشرعية لاتكون إلا بعد أذن الله للشافع بالشفاعة ورضاه عن المشفوع له كما قال - عز وجل -: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255].
ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال - عز وجل -: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال - عز وجل -: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].
فإذا كانت الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44] ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد. إذاً فأطلبها من الله فقل: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال هذا.
قال الطبري:
"في قوله عزوجل (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) يقول تعالى ذكره: وكم من ملك في السموات لا تغني: كثير من ملائكة الله، لا تنفع شفاعتهم عند الله لمن شفعوا له شيئا، إلا أن يشفعوا له من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة لمن يشاء منهم أن يشفعوا له ويرضى، يقول: ومن بعد أن يرضى لملائكته الذين يشفعون له أن يشفعوا له، فتنفعه حينئذ شفاعتهم، وإنما هذا توبيخ من الله تعالى ذكره لعبدة الأوثان والملأ من قريش وغيرهم الذين كانوا يقولون (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) فقال الله جلّ ذكره لهم: ما تنفع شفاعة ملائكتي الذين هم عندي لمن شفعوا له، إلا من بعد إذني لهم بالشفاعة له ورضاي، فكيف بشفاعة من دونهم، فأعلمهم أن شفاعة ما يعبدون من دونه غير نافعتهم".
قال النسفي: " في قوله عزوجل {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِى السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شيئا إِلا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى} [النجم: 26] يعني أن أمر الشفاعة ضيق فإن الملائكة مع قربتهم وكثرتهم لو شفعوا بأجمعهم لأحد لم تغن شفاعتهم شيئاً قط، ولا تنفع إلا إذا شفعوا من بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة لمن يشاء الشفاعة له ويرضاه ويراه أهلاً لأن يشفع له فكيف تشفع الأصنام إليه لعبدتهم ".
وقد حكى ابن حجر الهيتمي إجماع الحنابلة على أن من يجعل بينه وبين الله تعالى وسائط يدعوهم ويسألهم كفر إجماعاً (). ولم يعترض الهيتمي على هذا الإجماع بل أقره وأورده مستحسنا له. انظر الإعلام بقواطع الإسلام 95