تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: فأي فائدة في إيماننا هذا؟ وأي لطف يحصل لنا بهذا؟ ثم كيف يجوز أن يكلِّفنا الله بطاعة شخص، ونحن لا نعلم ما يأمرنا به، ولا ما ينهانا عنه، ولا طريق لنا إلى معرفة ذلك بوجه من الوجوه؟ وهم من أشد الناس إنكاراً لتكليف ما لا يطاق؛ فهل يكون في تكليف ما لا يطاق أبلغ من هذا؟) [8].

وحدِّث ابن القيم عن خرافة المنتظر فقال: (إنه الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، دخل سرداب سامِرَّاء طفلاً صغيراً، فلم ترَه بعد ذلك عين، ولم يُحَسَّ فيه بخبر، ولا أمر، وهم ينتظرونه كل يوم ... ثم يرجعون بالخيبة والحرامان، فهذا دأبهم ودأبه ... لقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم، وضحكة يسخر منهم كلُّ عاقل) [9].

وقد أطال عبد العزيز الدهلوي في الرد على أصل الإمامة وشبهاتهم، وكشف عن اضطرابهم واختلافهم في ذلك؛ فدعواهم أن الإمام الغائب اختفى خوفاً من القتل، منقوض بقولهم: إن موت الأئمة باختيارهم [10].

وأما قولهم عدم تصرف الإمام لأجل كثرة الفساد وقلة الأنصار، فأجاب عنه الدهلوي قائلاً: (قد كثر محبُّوه وناصروه في زمن الدولة الصفوية أكثر من رمل الصحاري والحصى، والاختفاء منافٍ لمنصب الإمامة الذي مبناه على الشجاعة والجرأة؛ فهلاَّ خرج وصبر واستقام إلى أن ظفر؟) [11].

وقال الدهلوي في موضع آخر: (والحق من تأمَّل في هذا المذهب تأمُّلاً صادقاً، فقد علم باليقين أن سبيل النجاة في هذا المذهب مسدود، وطريق الخلاص من مضيق التعارض فيه مفقود؛ فبالضرورة يتركه ... وذلك أن الشيعة لهم روايات كثيرة متعارضة عن أئمتهم؛ بحيث يروون عن كل إمام كلاماً مخالفاً للإمام الآخر، ومخالفاً لكتاب الله وسُنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -) [12].

ومن غلوِّ الرافضة في الأئمة: مقالتهم بالحلول والاتحاد؛ فإن عقيدة الحلول ووحدة الوجود قد عَلِقت بعقولهم؛ فزعموا أن الله - تعالى - والأئمة قد اختلطوا وامتزجوا – تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً – فنسب الكليني في الكافي إلى جعفر الصادق أنه قال: (ثم مَسَحَنا بيمينه، فأفضى نوره فينا ... ولكن الله خلطنا بنفسه) [13].

وإذا كان الرافضة أرباب وَلَه وغرام بأنماط الدجل والخرافات، ثم هم يقررون اتحاد الخالق بالمخلوق، ويدَّعون الإلهية والتدبير المطلق لأئمتهم؛ فكيف إذا خرج الدجال الأكبر الأعور بخوارقه الهائلة، ودعواه العريضة بأنه الله؟

ولما ذكر ابن تيمية طَرَفاً من الأحاديث الصحيحة في الاستعاذة من فتنة الدجال، أشار إلى أتباع الدجال وشيعته فقال: (وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر أصحابه بهذا التعوُّذ خارج الصلاة أيضاً، وقد جاء مطلقاً ومقيَّداً في الصلاة. ومعلوم أن ما ذُكِر معه من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، أُمر به كل مصلٍّ؛ إذ هذه الفتن مجرية على كل أحد، ولا نجاة إلا بالنجاة منها، فدلَّ على أن فتنة الدجال كذلك، ولو لم تصب فتنته إلا مجرد الذين يدركونه لم يؤمر بذلك كلُ الخلق، مع العلم بأن جماهير العباد لا يدركونه، ولا يدركه إلا أقلُّ القليل من الناس المأمورين بهذا الدعاء، وهكذا إنذار الأنبياء إياه أممَهم - حتى أنذر نوح قومه - يقتضي تخويف عموم فتنته، وإن تأخَّر وجود شخصه حتى يقتلَه المسيح بن مريم، عليه السلام. وكثيراً ما كان يقع في قلبي أن هؤلاء الطائفة ونحوهم أحق الناس باتباع الدجال؛ فإن القائلين بالاتحاد والحلول - كقول النصارى في المسيح، والغالية الهالكة في عليٍّ أو فيه وفي غيره؛ كما ذهب إلى ذلك طوائف من غلاة الشيعة وغلاة المتصوفة - لا يمتنع على قولهم أن يكون الدجال ونحوه هو الله) [14].

وأخيراً فلا بد من تبديد هذه الظلمات ودحضها، وإظهار نور الوحي والسُّنة، وتبليغ رسالات الله – تعالى – ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، ثم دعوة الرافضة والنظر إليهم بعين الرحمة والإشفاق، وحثِّهم على إعمال عقولهم، وتحريرها من رِقِّ استبداد الملالي والآيات؛ فإن البحث والتحقيق، والنظر والتفكير يعقبه الإيمان الصحيح وبرد اليقين، وكما قال أحد عقلاء الشيعة (آية الله الخوئيني): (بعد خمسين سنة من البحث والمطالعة ومعرفة الإسلام والبحث في مختلف المذاهب الفلسفية والعرفانية وأفكار الغلاة ومختلف المذاهب، وصلتُ إلى النتيجة: أن حقيقة الدين هو القرآن الكريم؛ فإن القرآن يدعونا مراراً إلى قراءته والتدبُّر والتفكر فيه. وسبب كل هذا الضلال والحيرة هو عدم قراءة القرآن والتدبر في القرآن) [15].

وكان يقول: (تركتُ منصباً بعدما كنتُ مرجعاً للمذهب كالآخرين ابتغاء وجه الله. لو لم أترك لكنت خائناً، لن أكون من أهل التزوير، ولن آخذ أموالاً من الناس، ولن أكون إلى ترويج المذهب، بل سأكون موحداً ومتبعاً للإسلام) [16].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] كسر الصنم: ص 250.

[2] منهاج السنة النبوية: 203/ 8.

[3] منهاج السنة النبوية: 8/ 1.

[4] أصول مذهب الشيعة للقفاري: 653/ 2.

[5] المعتمد في أصول الدين: ص 259 = باخصار.

[6] أي: الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر عند الرافضة).

[7] الفِصَل في الملل والنحل: 181/ 4.

[8] منهاج السنة: 102/ 1 - 103.

[9] المنار المنيف: ص 152.

[10] مختصر التحفة الإثني عشرية: ص 118.

[11] مختصر التحفة الإثني عشرية: ص 119.

[12] المرجع السابق: ص 190.

[13] انظر: أصول مذهب الشيعة للقفاري: 2/ 518 - 520.

[14] السبعينية (بغية المرتاد): ص 514.

[15] أعلام التصحيح والاعتدال لخالد البديوي: ص 229.

[16] المرجع السابق: ص 230.

[مجلة البيان].

المرجع: الموقع الرسمي للشيخ http://www.alabdulltif.net/ أيقونة: المقالات العلمية.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير