تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنما نصفه بالأسماء لا بالتكييف ولا بالتشبيه كما يقال: إنه ملك كريم عليم حكيم حليم رحيم لطيف مؤمن عزيز جبار متكبر، وقد يجوز أن يدعى البشر ببعض هذه الأسماء وإن كانت مخالفة لصفاتهم فالأسماء فيها متفقة، والتشبيه والكيفية مفترقة كما يقال: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء؛ يعني في الشبه والطعم والذوق والمنظر واللون؛ فإذا كان كذلك؛ فالله أبعد من الشبه وأبعد؛ فإن كنا مشبهة عندك أن وحدنا الله إلها واحدا بصفات أخذناها عنه وعن كتابه فوصفناه بما وصف به نفسه في كتابه؛ فالله في دعواكم أول المشبهين بنفسه ثم رسوله الذي أنبأنا ذلك عنه؛ فلا تظلموا أنفسكم ولا تكابروا العلم إذ جهلتموه فإن التسمية في التشبيه بعيدة.

وقال الامام أبو بكر ابن خزيمة (311) في كتاب التوحيد (1/ 58 - 65):

والله قد ثبت لنفسه أنه يسمع ويرى، والمعطلة من الجهمية تنكر كل صفة لله وصف بها نفسه في محكم تنزيله أو على لسان نبيه لجهلهم بالعلم، وذلك أنهم وجدوا في القرآن أن الله قد أوقع أسماء من أسماء صفاته على بعض خلقه؛ فتوهموا لجهلهم بالعلم أن من وصف الله بتلك الصفة التي وصف الله بها نفسه قد شبهه بخلقه.

أقول: وجدت الله وصف نفسه في غير موضع من كتابه فأعلم عباده المؤمنين أنه سميع بصير فقال (وهو السميع البصير) وذكر عز و جل الإنسان فقال: (فجعلناه سميعا وبصيرا) وأعلمنا جل وعلا أنه يرى فقال: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) وقال لموسى وهارون عليهما السلام: (إنني معكما أسمع وأرى)؛ فأعلم عز و جل أنه يرى أعمال بني آدم وأن رسوله وهو بشر يرى أعمالهم أيضا وقال: (أو لم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء) وبنو آدم يرون أيضا الطير مسخرات في جو السماء وقال عز و جل: (واصنع الفلك بأعيننا) وقال (تجرى بأعيننا) وقال (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) فثبت ربنا عز و جل لنفسه عينا وثبت لبني آدم أعينا فقال: (ترى أعينهم تفيض من الدمع)؛ فقد خبرنا ربنا أن له عينا وأعلمنا أن لبني آدم أعينا وقال لإبليس عليه لعنة الله: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) وقال: (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) وقال (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه) فثبت ربنا جل وعلا لنفسه يدين وخبرنا أن لنبي آدم يدين فقال: (وذلك بما قدمت أيديكم) وقال (ذلك بما قدمت يداك) وقال (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) وقال (الرحمن على العرش استوى)، وخبرنا أن ركبان الدواب يستوون على ظهورها وقال في ذكر سفينة نوح: (واستوت على الجودى) أفيلزم ذوى الحجا عند هؤلاء الفسقة أن من ثبت لله ما ثبت الله في هذا الآى أن يكون مشبها خالقه بخلقه حاش لله أن يكون هذا تشبيها كما ادعوا لجهلهم بالعلم.

نحن نقول: إن الله سميع بصير كما أعلمنا خالقنا وبارؤنا ونقول: من له سمع وبصر من بني آدم فهو سميع بصير ولا نقول أن هذا تشبيه المخلوق بالخالق، ونقول: إن لله عز و جل يدين يمينين لا شمال فيهما قد أعلمنا الله تبارك وتعالى أن له يدين وخبرنا نبينا أنهما يمينان لا شمال فيهما ونقول: إن من كان من بني آدم سليم الجوارح والأعضاء فله يدان يمين وشمال، ولا نقول: إن يد المخلوقين كيد الخالق عز ربنا عن أن تكون يده كيد خلقه وقد سمى الله لنا نفسه عزيزا وسمى بعض الملوك عزيزا فقال: (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) وسمى إخوة يوسف أخاهم يوسف عزيزا (فقالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا) وقال (قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) فليس عزة خالقنا العزة التي هي صفة من صفات ذاته كعزة المخلوقين الذين أعزهم الله بها، ولو كان كل اسم سمى الله لنا به نفسه وأوقع ذلك الاسم على بعض خلقه كان ذلك تشبيه الخالق بالمخلوق على ما توهم هؤلاء الجهلة من الجهمية لكان كل من قرأ القرآن وصدقة بقلبه أنه قرآن ووحي وتنزيل قد شبه خالقه بخلقه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير