ومن تأسيس التفريق بين الصفة المطلقة والصفة المضافة فإنّ اللفظ الذي استعمله ابن تيمية -رحمه الله- هو ما طابق المعنى الحقّ الذي جاء به الكتاب والسُّنَّة مستعمَلاً فيه؛ لأنّ الخالق والمخلوق مختلفان في الحقيقة فلا يتماثلان، وهذا يستلزم أن يكون لكلّ واحد منهما صفات حقيقية ثبوتية يتحقق بها الاختلاف، والعدمُ المحض لا يحصل به امتياز أحدهما عن الآخر، فيلزم أن تكون صفات كلٍّ منهما مختلفة حتى يحصل بها الامتياز (20 - انظر: «تلبيس الجهمية» لابن تيمية: (1/ 620)، «شرح حديث النزول» لابن تيمية: (7) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_20'))). ومن مقالة ابن تيمية -رحمه الله- في الردّ على من ادعى أنّ إثبات الصفات هو التمثيل الذي نفته الأدلة الشرعية ما نصّه:
«• أحدها: كونه مَثَّلَ ما فَهِمَه من النصوص بصفات المخلوقين، وظنّ أنّ مدلولَ النصوصِ التمثيل.
• الثاني: إنه جعل ذلك هو مفهومها وعطَّله، بقيت النصوص معطلة عما دلّت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله، فيبقى مع جنايته على النصوص وظنّه الشيء الذي ظنّه بالله ورسوله، حيث ظنّ أنّ الذي يُفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل، قد عطل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات الصفات لله، والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله تعالى.
• الثالث: إنه ينفي تلك الصفات عن الله عزّ وجلّ بغير علم، فيكون معطِّلاً لما يستحقّه الربُّ.
• الرابع: إنه يصف الربَّ بنقيض تلك الصفات من صفات الأموات، والجماداتِ، وصفاتِ المعدومات، فيكون قد عطَّل به صفاتِ الكمالِ التي يستحقّها الربّ» (21 - «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (3/ 49) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_21'))).
ومما تقدّم تقريره يظهر جليًّا أنّ دعوى نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية -رحمه الله- منقوضة من أساسها، ولا أصل لها في الحقيقة والواقع، إذ قد يرجع الانتقاد له إلى توهّم الناقد وقوعَ ابن تيمية في التناقض باستعماله للمعنى الباطل اللازم للصفة عند الإضافة، والتناقضُ -في الحقيقة- إنما حصل في ذهن الناقد لا في حقيقة الواقع، إذ كيف يُعقل ممن هذا كلامه واستدلالُه أن يكون مشبِّهًا أو مجسِّمًا، وفي نصوص له سابقةٍ قد ذمّ هذا النوع من التشبيه والتجسيم ويصف أهله بالمبطلين، وبيّن تناقض القول به حيث يلزم منه كون المخلوق خالقًا، والفقير بالذات غنيًّا بالذات، وهكذا، وهو جمع بين النقيضين، وهو ممتنَع، كما يلزم أنه لو صحّ للزم أن يجب ويجوز ويمتنع عن الباري جلّ وعلا ما يجب ويجوز ويمتنع عن المخلوق، وهو باطل، وما بني عليه فباطل؛ لأنه يوجب اشتراكَهما فيما يجب ويجوز ويمتنع؛ ولأنه لو صحّ للزم أن يكون القديم بذاته غير قديم بذاته، والواجب بذاته ليس واجبًا بذاته وهكذا، وهو جمع بين النقيضين، وهو ممتنَع (22 - انظر: «بيان تلبيس الجهمية» لابن تيمية: (1/ 620)، و «منهاج السنة النبوية» لابن تيمية: (4/ 151) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_22'))). كما أنه قد يرجع انتقادهم له إلى خطإ الباحثين في فهم مذهبه المأخوذ من معارضته لخصومه، وابنُ تيمية -رحمه الله- قد يذكر الرأي المخالفَ ويتسامح فيه عندما يعرض رأيه أو يحقّق رأيَ السّلف فيما يعترض له من المباحث العقدية اكتفاءً بما سبق له فيه من مناقشة وتحقيق تفاديًا للتَّكرار، فيظنّ الباحث أنّه مذهبُه في المسألة فيقع الخطأ في فهم رأيه ثمّ يتناقله عنه غيره من الباحثين.
ويصدق في هذا المقام قول أبي الطيّب المتنبي:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحًا
وَآفَتُهُ مِنْ الفَهْمِ السَّقِيمِ
وَلَكِنْ تَأْخُذُ الأَذْهَانُ مِنْهُ
عَلَى قَدْرِ القَرَائِحِ وَالفُهُوم (23 - «خزانة الأدب» لابن حجة الحموي: (1/ 192)، «قرى الضيف» لابن أبي الدنيا: (1/ 258) (**********: AppendPopup(this,'pjdefOutline_23')))
¥