تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا من أفظع ما يمكن أن يعتقده أحد، وهو دال على وضوح بطلان القول الذي يؤدي إليه، وهو الزعم أن القرآن مخلوق. وقد استدل أحمد على المسألة كما في (السنة للخلال (1900)) بقول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآَنَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (الرحمن:1 - 4) من جهة أن الله تعالى فرّق بين العلم والخلق، وهذا استدلال قوي فقد ذكر الله (القرآن) في أكثر من (50) موضعاً في كتابه فلم يخبر عن خلقه، ولا أشار إليه بشيء من صفات الخلق، وذكر سبحانه الإنسان في (18) موضعاً من كتابه، ما ذكره في موضع منها إلا أخبر عن خلقه.

ثم جمع بين (القرآن) و (الإنسان) في سورة الرحمن فقال ?الرَّحْمَنُ {1} عَلَّمَ الْقُرْآنَ {2} خَلَقَ الْإِنسَانَ {3} ? فأخبر عن خلق الإنسان دون القرآن، فلو كان القرآن مخلوقاً لما فرّق الرب بينه وبين خلق الإنسان في هذا الموضع، لأن أكمل بيان هو بيان رب العالمين الذي لا يعزب عن علمه شيء.

2 - استدل أئمة السنّة على أن القرآن غير مخلوق بما ثبت عن النبي من التعوذ بكلمات الله من شر ما خلق، فقال الإمام أحمد كما عند الخلال (1922): «ولا يجوز أن يقول: أعيذك بالنبي أو بالجبال أو بالأنبياء أو بالملائكة ... أو بشيء مما خلق الله، لا يتعوذ إلا بالله وكلماته».

وقال ابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/ 400 - 402): «أفليس العلم محيطاً يا ذوي الحجا أنه غير جائز أن يأمر النبي بالتعوذ بخلق الله من شر خلقه؟ هل سمعتم عالماً يجيز أن يقول الداعي: أعوذ بالكعبة من شر خلق الله؟» إلى أن قال: «محال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه».

واحتج بهذه الحجة جمّ غفير من أئمة السنّة على بطلان القول بأن القرآن مخلوق، لأن النبي قد استعاذ بكلام الله. والقاعدة المسلَّمة التي لا يتطرق إليها الشك أن الاستعاذة لما كانت نوعاً من الدعاء لم يجز أن تكون إلا بالله أو بأسمائه وصفاته، فلذا استعاذ سيد الموحدين بهذه الكلمات، لأنها من الله، وليست مخلوقة وإلا لكان متعوذاً بمخلوق، حاشاه أن يقع في هذا الأمر الفظيع.

ومن هنا ذكر البغوي في (شرح السنة 1/ 185) أن النبي استعاذ بكلام الله كما استعاذ بالله، ثم قال: «ولم يكن النبي يستعيذ بمخلوق من مخلوق».

وقال الخطابي: «لا يستعاذ بغير الله أو صفاته، إذ كل ما سواه تعالى وصفاته مخلوق، ولذلك وُصفت كلماته تعالى بالتمام، وهو الكمال، وما من مخلوق إلا وفيه نقص، والاستعاذة بالمخلوق شرك مناف لتوحيد الخالق» (نقله السويدي في العقد الثمين ص (225)).

فكيف يسوغ لأحد بعد ذلك أن يتوقف في كون القرآن -الذي هو كلام الله- غير مخلوق، وهو يعلم أن النبي قد استعاذ بكلام الله؟

وهل يتصور مسلم أن النبي الذي قد أعلا ربه قدره يمكن أن يتعوذ بمخلوق بهذه الصيغة؟ فإذا لم يقع التردد في كون النبي يستحيل أن يقع منه ذلك، فكيف يقع التردد في أن الكلام الذي تعوذ به النبي غير مخلوق؟ لا ريب في وضوح هذه الحجة، وتعلقها ببابين كبيرين من أبواب الاعتقاد:

أولهما: توحيد الله تعالى، من جهة أن التعوذ به تعالى توحيد، وأن التعوذ بغيره شرك.

والثاني: مقام نبي الله الذي هو أعظم الناس علماً بربه وأبعدهم عن الشرك.

وقول من زعم أنّ القرآن مخلوق، يشكل من ناحية التوحيد والنبوة معاً، فبطلانه جلي لا ينبغي أن يكون محل تردد.

3 - روى الآجري (171) أن سفيان بن عيينة لما بلغه قول بشر المريسي بأن القرآن مخلوق قال: «كذب، قال الله تعالى: ?إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ? (الأعراف:54) فالخلق خلق الله، والأمر القرآن.

ولما روى اللالكائي (358) هذا الخبر عن سفيان قال: «وكذلك قال أحمد بن حنبل ونعيم بن حماد ومحمد بن يحيى الذهلي وعبد السلام بن عاصم وأحمد بن سنان وأبو حاتم الرازي.

والآية كما ترى قد فرقت بين الخلق والأمر، فجعلت الأمر مغايراً للخلق، وعليه فالقرآن الذي هو أمر الله ليس مخلوقاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير