الوجه الثاني قال البخاري – رحمه الله تعالى – في جزء رفع اليدين: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا معتمر، عن عبيد الله بن عمر، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، و إذا أراد أن يركع، و إذا رفع رأسه، و إذا قام من الركعتين يرفع يديه في ذلك كله، و كان عبد الله يفعله. إسناده صحيح رجاله كلهم من رجال الصحيحين، و قد رواه النسائي في سننه عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني عن معتمر به و في روايته: و إذا قام من الركعتين يرفع يديه كذلك حذو المنكبين. و إسناده صحيح على شرط مسلم.
الوجه الثالث قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في مسنده: حدثنا محمد بن فضيل، عن عاصم بن كليب، عن محارب بن دثار، قال: رأيت ابن عمر – رضي الله عنهما – يرفع يديه كلما ركع و كلما رفع رأسه من الركوع. قال: فقلت له ما هذا؟. قال: كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا قام في الركعتين كبر و رفع يديه. إسناده صحيح على شرط مسلم.
و قد رواه البخاري في جزء رفع اليدين، فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا محمد بن فضيل، عن عاصم بن كليب، عن محارب بن دثار: رأيت ابن عمر – رضي الله عنهما – رفع يديه في الركوع فقلت له: مه ذلك؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الركعتين كبر و رفع يديه. إسناده صحيح على شرط مسلم. و رواه أبو داود في سننه عن عثمان بن أبي شيبة و محمد بن عبيد المحاربي، قالا: حدثنا محمد بن فضيل، عن عاصم بن كليب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام من الركعتين كبر و رفع يديه. إسناده جيد. و هو من جهة عثمان بن أبي شيبة صحيح على شرط مسلم.
و أما حديث أبي حميد الساعدي – رضي الله عنه – فرواه الإمام أحمد في مسنده، و البخاري في جزء رفع اليدين، و أهل السنن الأربعة من حديث عبد الحميد بن جعفر، حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد الساعدي – رضي الله عنه -، قال: سمعته و هو في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كان إذا قام في الصلاة اعتدل قائماً و رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر، و إذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، فإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه فاعتدل، فإذا قام من الثنتين كبر و رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة.
هذا لفظ إحدى روايتي ابن ماجه، و في رواية للبخاري " فقالوا كلهم: صدقت ". و في رواية أحمد، و أبي داود، و الترمذي، و الرواية الأخرى لابن ماجه: " قالوا: صدقت هكذا كان يصلي رسول الله صلى الله عليه و سلم ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. و صححه البخاري كما سيأتي، و ابن خزيمة، و ابن حبان، و قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: حديث أبي حميد حديث صحيح متلقى بالقبول لا علة له.
قلت: و أسانيد المذكورين كلها على شرط مسلم، و في الباب أيضاً عن علي بن أبي طالب، و أبي هريرة – رضي الله عنهما – فأما حديث علي – رضي الله عنه – فرواه الإمام أحمد في مسنده، و البخاري في جزء رفع اليدين، و أبو داود، و الترمذي، و ابن ماجه، و الدارقطني في سننهم من حديث عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر و رفع يده حذو منكبيه، و يصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته و أراد أن يركع، و يصنعه إذا رفع رأسه من الركوع، و لا يرفع يديه في شيء من صلاته و هو قاعد، و إذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك و كبر.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. و صححه أيضاً ابن خزيمة، و ابن حبان. و ذكر الخلال عن إسماعيل بن إسحاق الثقفي قال: سئل أحمد – رحمه الله تعالى – عن حديث علي – رضي الله عنه –؟ فقال: صحيح. و قال البخاري في جزء رفع اليدين: ما زاد ابن عمر و علي و أبو حميد – رضي الله عنهم – في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يرفع يديه إذا قام من السجدتين كله صحيح انتهى.
و قوله هنا و في الحديث " إذا قام من السجدتين " معناه: إذا قام من الركعتين نبه على ذلك الترمذي في جامعه. و قد جاء مصرحاً به في إحدى روايتي البخاري و لفظه: عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرفع يديه إذا كبر للصلاة حذو منكبيه، و إذا أراد أن يركع، و إذا رفع رأسه من الركوع، و إذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك. و أما حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – فرواه أبو داود في سننه من حديث الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كبر للصلاة جعل يديه حذو منكبيه، و إذا ركع فعل مثل ذلك، و إذا رفع للسجود فعل مثل ذلك، و إذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك. إسناده صحيح على شرط مسلم.
الرواية الثالثة عن الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – أن الرفع في كل خفض و رفع. ذكرها القاضي و غيره، و هذه الرواية خلاف المشهور عنه و هي أضعف الروايات، و العمل عن أحمد و جماهير الحنابلة، أو جميعهم على خلافها، و من جعلها مذهباً لأحمد فهو جاهل بمذهبه.
و قد تقدم نصه على خلافها في رواية حنبل، و قال أبو داود: قيل له – يعني لأحمد – بين السجدتين أرفع يدي؟ قال: لا. و يحتمل أن أحمد – رحمه الله تعالى – أراد بقوله في كل خفض و رفع الركوع و الرفع منه، و يؤخذ ذلك بما ذكره صاحب المغني عن الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – أنه سئل عن رفع اليدين في الصلاة؟ فقال: في كل خفض و رفع. و قال فيه عن ابن عمر، و أبي حميد أحاديث صحاح انتهى.
فظاهر احتجاجه بأحاديث ابن عمر، و أبي حميد – رضي الله عنهم – يدل على أنه أراد بالخفض و الرفع الركوع و الرفع منه لأن الأحاديث الصحيحة عن ابن عمر و أبي حميد – رضي الله عنهم - إنما جاءت بذلك، و لم تجئ بالرفع في السجود و الرفع منه، و الله أعلم.