أما بالنسبة لعائشة رضي الله عنها فقد اختلف أهل العلم في نسكها، والصواب أنها كانت متمتعة
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (2/ 170) (واختلف الناس فيما أحرمت به عائشة أولا على قولين:
أحدهما: أنه عمرة مفردة ’ ((وهذا هو الصواب))،لما ذكرنا من الأحاديث.
وفي الصحيح عنها قالت خرجنا مع رسول الله في حجة الوداع موافين لهلال ذي الحجة فقال رسول الله من أراد منكم أن يهل بعمرة فليهل فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة قالت وكان من القوم من أهل بعمرة ومنهم من أهل بالحج قالت ((فكنت أنا ممن أهل بعمرة)) وذكرت الحديث
وقوله في الحديث ((دعي العمرة وأهلي بالحج)) قاله لها بسرف قريبا من مكة وهو (صريح في أن إحرامها كان بعمرة)،
القول الثاني: أنها أحرمت أولا بالحج وكانت مفردة
قال ابن عبد البر روى القاسم بن محمد والأسود بن يزيد وعمرة كلهم عن عائشة ما يدل على أنها كانت محرمة بحج لا بعمرة
منها حديث عمرة عنها خرجنا مع رسول الله لا نرى إلا أنه الحج
وحديث الأسود بن يزيد مثله
وحديث القاسم لبينا مع رسول الله بالحج
قالوغلطوا عروة في قوله عنها كنت فيمن اهل بعمرة
قال إسماعيل بن إسحاق قد اجتمع هؤلاء يعني الأسود والقاسم وعمرة على الروايات التي ذكرنا فعلمنا بذلك ان الروايات التي رويت عن عروة غلط
قال ويشبه أن يكون الغلط إنما وقع فيه ان يكون لم يمكنها الطواف بالبيت وأن تحل بعمرة كما فعل من لم يسق الهدي فأمرها النبي أن تترك الطواف وتمضي على الحج فتوهموا بهذا المعنى أنها كانت معتمرة وأنها تركت عمرتها وابتدأت بالحج
قال ابو عمر: وقد روى جابر بن عبد الله انها كانت مهلة بعمرة كما روى عنها عروة
قالوا والغلط الذي دخل على عروة إنما كان في قوله انقضي رأسك وامتشطي ودعي العمرة وأهلي بالحج
وروى حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه حدثني غير واحد ان رسول الله قال لها دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي وافعلي ما يفعل الحاج
فبين حماد أن عروة لم يسمع هذا الكلام من عائشة
قلت: ((من العجب رد هذه النصوص الصحيحة الصريحة التي لا مدفع لها ولا مطعن فيها ولا تحتمل تأويلا البتة بلفظ مجمل ليس ظاهرا في انها كانت مفردة فإن غاية ما احتج به من زعم أنها كانت مفردة، قولها خرجنا مع رسول الله لا نرى إلا أنه الحج فيالله العجب أيظن بالتمتع انه خرج لغير الحج بل خرج للحج متمتعا كما ان المغتسل للجنابة بدأ فتوضا لا يمتنع أن يقول خرجت لغسل الجنابة وصدقت أم المؤمنين رضي الله عنها إذا كانت لا ترى إلا أنه الحج حتى أحرمت بعمرة بأمره وكلامها يصدق بعضه بعضا، وأما قولها لبينا مع رسول الله بالحج فقد قال جابر عنها في الصحيحين أنها أهلت بعمرة وكذلك قال طاووس عنها في صحيح مسلم وكذلك قال مجاهد عنها فلو تعارضت الروايات عنها فرواية الصحابة عنها اولى أن يؤخذ بها من رواية التابعين كيف ولا تعارض في ذلك البتة فإن القائل فعلنا كذا يصدق ذلك منه بفعله وبفعل أصحابه ومن العجب أنهم يقولون في قول ابن عمر تمتع رسول الله بالعمرة إلى الحج معناه تمتع أصحابه فأضاف الفعل إليه لأمره به فهلا قلتم في قول عائشة لبينا بالحج أن المراد به جنس الصحابة الذين لبوا بالحج وقولها فعلنا كما قالت خرجنا مع رسول الله وسافرنا معه ونحوه ويتعين قطعا إن لم تكن هذه الرواية غلطا أن تحمل على ذلك للأحاديث الصحيحة الصريحة أنها كانت أحرمت بعمرة وكيف ينسب عروة في ذلك إلى الغلط وهو أعلم الناس بحديثها وكان يسمع منها مشافهة بلا واسطة
وأما قوله في رواية حماد حدثني غير واحد أن رسول الله قال لها دعي عمرتك فهذا إنما يحتاج إلى تعليله ورده إذا خالف الروايات الثابتة عنها فأما إذا وافقها وصدقها وشهد لها أنها أحرمت،
بعمرة فهذا يدل على أنه محفوظ وأن الذي حدث به ضبطه وحفظه هذا مع ان حماد بن زيد انفرد بهذه الرواية المعللة وهي قوله فحدثني غير واحد وخالفه جماعة فرووه متصلا عن عروة عن عائشة فلو قدر التعارض فالأكثرون أولى بالصواب
فيا لله العجب كيف يكون تغليط أعلم الناس بحديثها وهو عروة في قوله عنها (وكنت فيمن أهل بعمرة) سائغا بلفظ مجمل محتمل ويقضى به على النص الصحيح الصريح الذي شهد له سياق القصة من وجوه متعددة قد تقدم ذكر بعضها
¥