[نية تحميس الناس في الدعاء والقراءة ..... ما حكمها؟]
ـ[أبو عبدالله النجدي]ــــــــ[27 - 12 - 02, 04:31 م]ـ
نقل الأخ (البدر المنير) في هذا المنتدى عن أحد المشايخ الأفاضل: (إن من ينوي بدعائه في القنوت تحميس الناس، فنيته فاسدة، قد تبطل الدعاء، ويبوء صاحبها بالإثم)!
و كنت قد كتبت هذ الجواب في حينه، ثم انشغلت عنه، فهذا أوان إيراده، لعل المشايخ والإخوان يتعقبون ما قررته، أو يستدركون، فأستفيد:
أقول وبالله التوفيق:
هذا الكلام لا يسلم على إطلاقه، فليس تحميس الناس مذموماً بإطلاق، بل قد يكون هذا العمل محموداً شرعاً؛ بحسب نية الإمام، ومما يدل لذلك ما يلي:
أن الإمام لا يصلي لنفسه، بل هو مأمور بتحري ما يكمل صلاة المأمومين، و ما يعينهم على الإتيان بأركانها وواجباتها وسننها على الوجه الأكمل، فقد روى الترمذي وأبو داود وغيرهما من حديث أبي هريرة وعائشة ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعا " الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ".
و قوله في الحديث (الإمام ضامن) على ما قاله ابن الأثير: أراد بالضمان ها هنا الحفظ والرعاية، لا ضمان الغرامة، لأنه يحفظ على القوم صلاتهم. وقيل إن صلاة المقتدين به في عهدته، وصحتها مقرونة بصحة صلاته، فهو كالمتكفل لهم صحة صلاتهم اهـ من النهاية. فأناط بالإمام وظيفة المحافظة على صلاة المأمومين، ورعايتها، ويدخل في ذلك كل ما يعينهم على ذلك.
وإذا علم أن لب الصلاة الخشوع والتدبر، فإن من شأن إمام الصلاة أن يسمع من خلفه ما يعينهم على ذلك.
فإذا انتقى الإمام ـ مثلاً ـ آيات مؤثرة ليسمعها من خلفه، لترقّ قلوبهم، وتخشع جوارحهم، فما الحرج في ذلك، وهكذا لو أنه تحرّى من الأدعية ما يؤثر في قلوبهم الخشية، ويستجلب حضور ها، أليس هذا من تمام صلاته وصلاتهم وحسنها المأمور به شرعا. وما زال الأئمة في سائر الأعصار والأمصار يتحرّون ذلك من غير نكير. بل أقول أين الصلاة خلف من يحسن الدعاء والقراءة، ويستجلب الخشوع فيهما، من الصلاة خلف من دعاؤه وقراءته باردان لا روح فيهما ولا حياة!
ولا شك أن الأول أقرب إلى السنة، إن أراد بذلك وجه الله سبحانه، أما الثاني فهو أبعد من السنة، وإن كان مخلصا.
وقد تقرر عند أهل العلم أن الصلاة ليست من حقوق الله المحضة ـ باصطلاح الأصوليين ـ بل تجتمع فيها الحقوق الثلاثة، حق الله تعالى، وحق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وحق المخلوق، وتوضيح ذلك كما يلي:
1) حق الله تعالى: كالنية والتكبيرات والتسبيحات والركوع والسجود.
2) حق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كالتسليم عليه والترحم والتبريك والصلاة.
3) حق العباد: كالتسليم والدعاء لهم في الفاتحة و القنوت وغيره، وحقه لنفسه كدعائه لها.
فالتفات الإمام إلى ما يتحراه المأمومون من الخشوع والتدبر، إنما هو من حقهم عليه، حين قدموه عليهم وارتضوه إماما، إذ رضا المأموم عن إمامه من تمام صلاة الإمام، على أن يراعى في هذا كله الإخلاص لوجه الله سبحانه، وحسن عبادته، لا الرياء والتسميع.
ومما يدلّ على ذلك أيضا أن الفقهاء استحبوا للإمام وهو راكع؛ أن ينتظر الداخل إلى المسجد، لئلا تفوته الركعة بفوات الركوع، وأما من قال إن هذا محرم، وعدّه نوعا من الشرك فما أحسن، بل هو من تمام الضمان المأمور به بنص المعصوم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهو يشبه ما نسب إلى الشيخ الفاضل، مما أشرت إليه أعلاه.
وهذا كلام حسن للعز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ يناسب المقام:
(فصل في بيان أن الإعانة على الأديان وطاعة الرحمن ليست شركاً في عبادة الديان وطاعة الرحمن:
إن قيل: هل يكون انتظار الإمام المسبوق ليدركه في الركوع شركا في العبادة أم لا؟ قلت: ظن بعض العلماء ذلك وليس كما ظن , بل هو جمع بين قربتين لما فيه من الإعانة على إدراك الركوع وهي قربة أخرى , والإعانة على الطاعات من أفضل الوسائل عند الله , ورتب تلك المعونات عند الله على قدر رتب المعان عليه من القربات.
والإعانة على معرفة الله ومعرفة ذاته وصفاته أفضل الإعانات. وكذلك الإعانة على معرفة شرعه , وكذلك المعونة بالفتاوى والتعليم والتفهيم , والإعانة على الفرائض أفضل من الإعانة على النوافل , وإذا كانت الصلاة أفضل القربات البدنيات كان الإعانة عليها من أفضل الإعانات فإذا أعان المصلي بماء الطهارة أو ستر العورة أو دله على القبلة , كان مأجورا على ذلك كله.
وليس لأحد أن يقول هذا شرك في العبادة بين الخالق والمخلوق. فإن الإعانة على الخير والطاعة لو كانت رياء وشركا , لكان تبليغ الرسالة وتعليم العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رياء وشركا , وهذا لا يقوله أحد , لأن الرياء والشرك أن يقصد بإظهار عمله ما لا قربة به إلى الله من نيل أعواض نفسه الدنية وهو قد أعان على القرب إلى الله وأرشد عباده إليه , ولو كان هذا شركا لكان الأذان وتعليم القرآن شركين وقد جاء في الحديث الصحيح: {أن رجلا صلى منفردا فقال عليه السلام: من يتجر على هذا؟} وروي: {من يتصدق على هذا؟ فقام رجل فصلى وراءه} ليفيده فضيلة الاقتداء , ولم يجعله عليه السلام رياء ولا شركا لما فيه من إفادة الجماعة المقربة إلى الله تعالى، وإذا أحس الإمام بداخل وهو راكع فالمستحب أن ينتظره لينيله فضيلة إدراك الركوع , ولا يكون ذلك شركا ولا رياء , لأنه عليه السلام جعل مثله صدقة واتجارا , وأمر به في جميع الصلوات , فكيف يكون رياء وشركا وهذا شأنه في الشريعة؟ ولا وجه لكراهية ذلك , ومن أبطل الصلاة به فقد أبعد , فليت شعري ماذا يقول في الانتظار المشروع في صلاة الخوف هل كان شركا ورياء , أو عملا صالحا لله تعالى؟) اهـ
قواعد الأحكام (1/ 151ـ 152). .
والله تعالى أعلم.
¥