تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فَمِن أمثِلَة الجُمَل الخَبَرية؛ قولُه –تعالى-: (إنَّ اللهَ على كُلِّ شَئ قَديرٌ) [البقرة: 20]، (أولئك على هدي مِن رَبهم وأولئك هم المُفلِحون) [البقرة: 5]، (قَد أفلَح المؤمِنون) [المؤمِنون: 1].

ومِن أمثِلَة الجُمَل الإنشائية؛ قولُه –تعالى-: (واتَّقُوا يومًا لا تَجزي نَفسٌ عَن نَفسٍ شَيئًا) [البقرة: 48]، (ولا تكونوا كالذين نَسُوا اللهَ فأنساهُم أنفسَهم) [الحشر: 19]، (أليس اللهُ بأحكِم الحاكِمين) [التين: 8].

ومِن أمثِلَة الآيات التي جَمَعت بين الجُملَتَين مَعًا؛ قولُه –تعالى- (ألم تَعلم أنَّ اللهَ له مُلكُ السَّموات والأرض، وما لكم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَليٍّ ولا نَصير) [البقرة: 107].

وقارئ القُرآن لا يخَلو –عِند فَراغِه مِن التلاوة- أن يَقِف على إحدى نَوعَي الجُمَل: إمَّا أن يَقِفَ على جمُلَة خَبَرية أو إنشائية. فهل –باللهِ- إن وَقَف على جُملَةٍ إنشائية يَليقُ به أن يقولَ (صَدَق الله العَظيم)، وهي –كما بَيَّنَّا- لا تَحتَمِلُ التَّصديق أو التَّكذيب؟!! أفيجوزُ هذا العَبَثُ بِكتابِ الله –تبارك وتعالى-؟!! وإن قال: أقولُها عِند رأس الجُمَل الخَبَرية فَقَط! نقولُ له: كَذَبت ورَبي؛ واقِعُك يُخالِفُ قولَك، ثُم مِن أين لك الدَّليل على التَّفريقِ بين النَّوعَين؟!! أتَضَعُ ضوابِطًا لبِدْعَة ابتدعتَها ما أنزَلَ اللهُ بِها مِن سُلطان؟!! (تاللهِ إنَّ هذا لَشئٌ عجاب) [ص: 5].

الجواب عَن الشُّبهات الوارِدَة في هذه المسألة:

الشُبهة الأولى: قد يَستَدِلُ البَعضُ على جوازِها بقولِه –تعالى- (قُل صَدَق الله فاتَّبِعوا مِلَّة إبراهيم حِنيفًا) [آل عِمران: 95]، وقولِه (ومَن أصدَقُ مِن الله حَديثًا) [النِّساء: 87]، وقولِه (ومَن أصدَقُ مِن الله قِيلا) [النِّساء: 122]، فهو استدلال مَردودٌ مِن غَير وَجه:

(1) بُمراجَعَةِ أسباب نُزولِ الآية الأولى؛ يَتَبَيُّن أنَّ مَعنى الآية: "أي ظَهَرَ وثَبَت صِدقَه في أنَّ (كُل الطَّعام كان حِلا لِبَني إسرائيل إلا ما حَرَّم إسرائيلُ على نَفسِه مِن قَبْلِ أن تُنَزَّلَ التَّوراة) [آل عِمران: 93]؛ فلم يَكُن ذلك في التوراة مُحَرَّمًا كما أخَبَر رَبُّنا -تَبارَك وتعالى، وفيه تَعريضٌ بِكذِب اليَّهود الصَّريح"، [راجِع: «تَفسير القُرطبي»: (2/ 1482: 1485)، و «روح المَعاني/ للآلوسي»: (3/ 241: 246)، كِلاهما طـ دار الغَد العربي بمصر].

ومِن القواعِد الأصوليَّة الهامَّة أنَّ "العِبرَة بِعُموم اللفظ لا بِخصوص السَّبَب"؛ ولِذَلك فمَعنى الآية –عُمومًا-: "أي قُل يا مُحَمَّد: صَدَقَ اللهُ فيما أخبَرَ بِه وفيما شَرَعَه في القرآن"، كما في «تَفسير ابن كَثير»: (1/ 382، طـ مُطصفى البابي الحَلبي).

(2) قُل لي –بِرَبِّك- أين في الآية الكَريمة ما يَدُل على أنَّ الله أمر (أو أرشد) نَبيَّه (صلى الله عليه وسلم) أن يلتَزِمَ قولَ هذه الجُملَة بعد الفراغ مِن تلاة القُرآن خاصَّةً؟! فمِنَ أينَ لَكم بهذا التَّقييد؟!! ولو سَلَّمنَا جَدلا أنَّه –تَبارَك وتعالَى- أمرَه بِذَلِك وَحيًا فلَّمَّا لم يُنقَل إلينا عُلِم –بالضَّرورة- أنَّ هذا الاعتقادَ لا أصلَ له ألبتة!

(3) ألم تسأل نفسَك لماذا لم يَفهَمِ النَّبيُ (صلى الله عليه وسلم) أو أحدٌ مِن أصحابِه أو تابِعوهم مِن هذه الآية الكَريمة أنَّ المقصودَ التزامُ قولِها بعد كل تلاوةٍ للقُرآن؟!! أم أنَّك أتيتَ بِمَا لم تأتِ به الأوائِل؟!

(4) لو ألزمتَ نفسَك بأنَّ المَقصودَ بالآيةِ الكَريمَةِ التزامَ قولِ هذه الجُملَة بعد الفَراغ مِن التلاوة، فأنا ألزِمُك إلزامًا لا انفكاك له –إن شاء الله تعالى- أن تفهمَ أنَّك أثناءَ قِراءَتِك للقُرآن إذا مَررتَ بقولِه تعالى (قُل هو الله أحَد) [الإخلاص: 1] أن تَقطَعَ القِراءة وتَقول: "هو الله أحد"! وإذا مَررتَ بقولِه تعالى (قل يأ أيُّها الكافِرون) [الكافِرون: 1] أن تَقطَعَ القِراءة وتَقول: "يا أيُّها الكافِرون"، وهكذا في باقي الآيات التي استُفتِحَت بِلفظَة (قُل)، فما رأيُّك؟!!

(5) أمَّا الآيتان الكَريمتان الأخريتان فمعناهما: "لا أحد أصدق مِن الله" [راجع: «تَفسير القُرطبي»: 2/ 1967، 2057].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير