فقولُ الأعرابي: "اللهمَّ إنِّي أسألك"؛ قالَه النَّبيُّ (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) في مُناسَباتٍ عِدَّة؛ عِند هُبوب الرِّيح والهَمِّ والحُزن والدُّخول على الزَوجِة ليلة الزَّفاف وغَيرِها، أذكُر مِنها قولَه (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم): "اللهمِّ إنِّي أسالُك الهُدى والتُّقَى والعَفافَ والغِنَى" [رواه مُسلِم (72)].
وقولُه: "لك الحَمدُ"؛ أصلُها في القُرآنِ الكَريم في قَولِ اللهِ –تَعالَى-: (وَلَه الحَمدُ في السَّمواتِ والأرضِ وعَشيًّا وَحين تُظهِرون) [الروم: 18]، وفي قَولِه –َتعالَى-: (الحَمدُ لله رَب العالَمين) [الفاتحة: 1]. وكانَ رَسولُ اللهِ (صَلَّىَ الله عليه وَسَلَّم) إذا استَجَدَّ ثَوبًا سَمَّاه باسمِه –عِمامًة أو قَميصًا أو رِدَاءً- يقولُ: "اللهمَّ لَك الحَمدُ أنتَ كَسَوتَنيه ... " [صَحيح: رواه أبو دَاود والتِّرمذي وأحمَد، وهو في «صَحيح أبي داود» / للعلامة (الألباني) –رَحِمَه اللهُ-: (3393)].
وقولُه: "لا إلَهَ إلا أنت"؛ أصلُها في القُرآنِ الكَريم في قَولِ اللهِ –تَعالَى- على لِسان نَبيِّه (يونُس) –عليه السَّلام-: (لا إلَهَ إلا أنتَ سُبحانَك إنِّي كُنتُ مِن الظالِّمين) [الأنبياء: 87]؛ وهي أشهَر مِن أن يُستَدَلُّ لَهَا؛ فهي كَلِمَةُ التَّوحيد الذي مِن أجلِه أرسِلَت الرُّسُل (صَلَّىَ الله عليهم وَسَلَّم)؛ واستخدامُ الخِطاب هُنا (أنتَ) لِضَرورَةِ الدُّعاء، واللهُ أعْلَم.
وقولُه: "بَديع السَّموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حَي يا قَيوم"؛ أصلُها في القُرآنِ الكَريم في قَولِه –تَعالَى-: (بَديُع السَّمواتِ والأرض) [البقرة: 117]، وقَولِه: (تَبارَك اسمُ رَبِّك ذي الجَلال والإكرام) [الرَّحمَن: 78]، وقَولِه: (اللهُ لا إله إلا هو الحَيُّ القَيومُ) [البقرة: 255].
لم تَبقَ إلا لَفظةً "الحَنَّان المَنَّان"؛ وهي مِن شَرعِنا لإقرار النَّبيِّ (صَلَّىَ اللهُ عَليه وَسَلَّم) الأعرابيَ على قَولِها. ويَنبَغي أن يُعلَم أنَّ لفظة "المَنَّان" أصلُها في قَولِه –َتعالَى-: (قالَت لَهُم رُسُلُهم إن نحنُ إلا بَشَرٌ مِثلُكم ولَكِنَّ الله يَمُنَّ على مَن يشاءُ مِن عبادِه) [إبراهيم: 11].
فهذا الحَديثُ –كما تَرَى- لا يَنهَضُ للاستدلال على ما استدللتَ بِهِ، فتأمَل!
(4) قَولُك: "هَل إذا ذَكَرنَا صَحَابيًّا وقُلنَا: "رَضيَ اللهُ عَنه"، هَل تُعتَبَرُ مَقولَة [كذا؛ وهي مِمَّا لا أعْلَمُ له أصلا في اللُغَة! فالصَّواب: "مَقالَة أو قَول"]: "رَضيَ اللهُ عَنه" بِدْعَة؟ لأنَّ هذه الكَلِمَة لَم تَكُن تُقَالُ في عَهد الصَّحابَة، وَلَم نَسمَعْ أحَدًا مِنَ الصَّحَابَة خَاطَبَ صَحابيًّا آخَرَ قائِلا لَه: "رَضيَ اللهُ عَنك" اهـ.
قُلتُ: بلي؛ ألم تَقرأ قَولَ اللهِ –تَعالَى-: (والسَّابِقون الأولون مِن المُهاجِرين والأنصار والذين اتَّبَعوُهم بإحسانٍ رَضيَ اللهُ عَنهم ورَضوا عَنه وأعَدَّ لَهم جناتٍ تَجري تَحتَها الأنهارُ خالِدين فيها أبدًا ذلك الفَوزُ العَظيم) [التوبة: 100]؟!! ألم تَشمَل هذه الآية جَميعَ الصَّحابَة بل والتابِعين لَهم بإحسانٍ إلى يَومِ القيامَة؟! وهل الرِّضَا هُنا على فِعلٍ مُعَيِّن أم هو عامٌّ؟! أظُنُّ أنَّ الجَوابَ على أسئلَتِك السابِقَة أصبَح سَهلا مَيسورًا؟! فهَل –يا أخي- هذه الكَلِمَة لم تَكُن تُقالُ في عَهْد الصَّحابَة فِعلا كما تَزعُم؟! إذَن في عَهد مَن أنزِل القُرآنُ الكَريم؟! ومَن الذي كان يَقرأه؟!
فأنا أطالِبُك الآن أن تتراجَعَ عَن قَولِك في "مُشارَكَتِك الأخيرة": "إذن هي –أي: رَضي اللهُ عَنهم- كلمة ابتدعناها وليس في ذلك إشكال"!!!
واعْلَم أخي أنَّ هذه الآيةَ إخبارٌ مِن اللهِ -سُبحانَه وتَعالَى- بأنَّه "قَد رَضي عَن السَّابِقين الأوَّلين مِن المُهاجِرينَ والأنصارِ والذينَ اتَّبَعوهم بإحْسَان" [كما في «تَفسير ابن كَثير»: (2/ 383: 384، طـ مُصطَفَى البابي الحَلبي بمصر).
¥