تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يَبقَى الإشكالُ في تَقييد الأمرِ بِإعفائِها -في بَعضِ الأحاديثِ لا كُلِّها- بِمُخالَفَة المُشرِكين؛ فأقولُ: المَقصود بالمُخالَفَة إمَّا المُخالَفَة في الأصل أو الصِفَة: فَمِن المُشركينَ مَن يَحلِقُ لِحيَتَه فنحن نُعفيها، ومِنهم مَن يَقُصُّها ويأخُذ مِنها فَنحن نُوفِرُها ولا نَتَعَرَّضُ لَها. وفي الحالَتَين فالمُسلِم لا يأخُذُ مِن لِحيَتِه مُطلَقًا كما أومأتُ سابِقًا! أمَّا لو أعفَى كُلُّ المُشركين لِحاهُم فَقَد عادُوا –إذَن- إلى أصلِ الفِطرَة؛ لأنَّ إعفاءَ اللحيَة "مِن الفِطرَة" –كما في حَديث (عائِشَة) –رَضيَ اللهُ عَنها- عِند "مُسلِم": (ح 261)؛ وتَبقَى المُخالَفَةُ أيضًا في أنَّنَا نَقُصُّ الشَّارِب بأخذِ ما طال عَن الشِّفة، واللهُ أعْلَم.

ومَِّا يُزيلُ الإشكالَ –إن شاءَ اللهُ تَعالَى- أن تَعلَم أخي أنَّ (المُشرِكين المَوجودين في زَمنِ النَّبي (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) كانوا ذَوي لِحَى [انظُر: «صَحيح مُسلِم»: (ح 1800)]؛ لأنَّ العَرَب لم تَترُك زينَةَ اللِّحي لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وقد أقرَّهم الإسلامُ عَليها، ولَعَلَّهم توارَثُوها مِن دين (إبراهيم) –عَليه السَّلام. وكان الغَربيونَ يُعفون لِحاهُم إلى أن أشاع المَلِك (بُطرس) مَلِك روُسيا حَلق اللحية في أورُبا في أول القَرن السَّابِع عَشر، ومِنهم تَسَرَّبَت إلى المُسلِمين هذه السُّنَّة السَّيئَة فيما بَعد، [وإلى اللهُ المُشتَكَى]. أمَّا كَيفيَة مُخالَفَةُ المُشركين مَع إعفائِهم لِحاهم في زَمَنِه (صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّم) فَبِقَصِّ الشَّارِب وأخذِ ما طَالَ عَن الشِّفة، أو بِتَوفير اللِّحَى إذا كانُوا يُقَصِّرونَها؛ فالمُخالَفَةُ هُنا في وَصف الفِعل، أمَّا إذا حَلَقُوا لِحاهم فَنَحنُ نُخالِفُهم في أصْلِ الفِعل بإعفاء اللِّحَى) اهـ بِتَصَرُّفٍ مِن كلام العلامة (محمد إسماعيل) –حَفِظَه اللهُ- في كِتابِه «اللحية لِمَاذا؟»، هامش ص 21، طـ دار عَبد الواحِد للطباعة ومَكتَبَة أبي حُذيفَة.

ولو ضَربنَا صَفحًا عَن كل ما سَبَق؛ فليسَت هذه هي العِلَّة الوَحيدَةُ في المَسألة؛ بل توجَد عِلَلٌ كَثيرَة تَجِدُها مَبسوطَةً في كِتاب «أدِلَة تَحريم حَلقِ اللحية»، وإن شِئتَ الاختصار فَفي كِتاب «اللحيَة لِماذا؟» / كِلاهُما لِشَيخِنا العلامةُ الحَبيب (محمد بن أحمد إسماعيل المُقَدَّم) –حَفِظَه اللهُ تَعالَى وأمتَعَنَا بِطولِ بَقائِه، آمين.

(7) قَولُك: "الأصلُ في العِبادَاتِ التَّحريمُ: هَذَاَ لَيس حَديث [كذا؛ والصَّوابُ: حَديثًا؛ على النَّصب] شريف [كذا؛ والصَّوابُ: شَريفًا؛ بِفَتح الفاء]؛ الأصلُ في العباداتِ الالتزامُ بالأمر، والحَلالُ بَيِّنٌ والحَرَامُ بَيِّنٌ" اهـ.

قُلتُ:

أولا: واللهِ يا أخي؛ أنا لا أرضَى لَك هذا الكلامَ الشَّنيع؛ الذي هَدمتَ به أصولَ شَريعَتِنا الغَرَّاء، بَعد أن هَدَمتَ جُهودَ عُلماء المُسلمين في استنباط القواعِد والأصول الجامِعَة لِفروع الشَّريعة!

ثانيًا: اعْلَم أنَّ مِن القواعِد الأصوليًّة الهامَّة التي ذَكَرها الإمامُ (أحمَد) وشَيخُ الإسلام (ابن تَيميَّة) –رَحِمَهما اللهُ تَعالَى- وغَيرُهما أنَّ: "الأصل في العِبادات التَّحريم (الحَظر)؛ فلا يُشرَعُ مِنها إلا ما شَرَعَه اللهُ ورَسولُه. والأصل في العادات الإباحَة؛ فلا يَحرُم مِنها إلا ما حَرَّمَه اللهُ وَرَسولُه". وهذه القاعِدة لم تأتي عَفوًا؛ بل دَلَّت عَليها نُصوص الكِتابِ والسُّنَّةِ في مواضِع:

أمَّا الأصلُ الأول: فَيَدُلُ عَليه قَولُه –تَعالَى-: (أمْ لَهُم شُركاءُ شَرَعُوا لَهم مِن الدِّينِ مَا لم يأذَن بِه اللهُ) [الشُّورَى: 21]. ومِثل الأمر بِعبادَةِ اللهِ وَحدَه لا شَريك له في مواضِع كَثيرة؛ كَقولِه –تَعالَى-: (واعْبُدوا اللهَ ولا تُشرِكُوا به شَيئًا) [النِّساء: 36]، وقولِه –تَعالَى-: (وَقَضَى رَبُّك ألا تَعبُدوا إلا إيَّاه) [الإسراء: 23]، وقولِه –تَعالَى-: (وما أمِروا إلا لِيَعبُدوا اللهَ مُخلِصينَ لَه الدِّين حُنفاء) [البَيِّنَة: 5]، وغَيرِها كَثير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير