ومن هنا ذهب بعض أهل العلم إلى بطلان المعاملة برمتها لأنها تقع على غير ما قصد طرفا البيع، فهما على وجه الحقيقة إنما يريدان البيع لا الإجارة، ولكن كل منهما لجأ لصيغة التأجير فرارا من شيء قد يضر به، فالشركة من أجل ضمان حقها، والمستأجر لأنه لم يتح له شراءها بالطريقة المعتادة في بيع التقسيط، فالنية على شيء والعقد تحدث عن شيء آخر.
هذا الأمر حمل بعض أهل العلم للقول ببطلان المعاملة، بناء على تلك القاعدة.
أقول القاعدة صحيحة إلا أنها لا تتعلق بموضوعنا أصلا، لأنها تتحدث عن قصد المتكلم حين يقول أمرا وهو يريد غيره، أو يعقد عقدا متضمنا شيئا وهو يريد آخر، فيصرح لدى مباشرة آثار ذلك العقد أو القول أنه لم يرد ما تناوله بقوله من حيث الصيغة ولم يرد ما تضمنه العقد الذي أبرم معه من مضامين، فعندها لدى الفصل بين طرفي المعاملة يقوم كل منهما فيحدد مراده الذي يصبح لازما ويعتبر بعد بيانه جزءا من الصيغة وملحقا بها، وإلا فللقضاء أن يقول قولته ضمن تفصيلات ليس هذا محل بيانها، على أن للقاعدة أيضا استثناءات في أمور كالعتق ونحوه، فهو مما لايسوغ قبول زعمه أنه لم يكن يقصد العتق لو تلفظ بقوله أنت حر لعبده، فهل العبرة هنا للفظ أو للقصد، بل لا يلتفت للقصد أصلا.
على كل ليس لهذه القاعدة دخل فيما نحن بصدد الحديث عنه، وذلك لأنهما وإن نويا أمرا مختلفا عن الصيغة، إلا أنهما لدى مباشرة آثار العقد باشراه وهما يعلمان أنها يباشران عقد تأجير، وهو واضح غاية الوضوح لدى كل منهما، وليس يأتي يوم يقول فيه أحدهما والله يا أخي الصيغة تأجير ولم أفهم أنه تأجير بمعنى التأجير، بل ظننت أن عبارة تأجير تعني بيع، بالله عليكم هل يقول ذلك أحد، ثم أليس هو مضحك لدى أدنى تأمل، ولذا صح يقينا أن القاعدة لا تتناول ما نحن بصدده، فكل منهما عقد مريدا للبيع ولكنه يفهم أنه حيل بينه وبين البيع بصيغة لا تحتمل البيع مما يجعله حال مباشرة العقد قاصدا للتأجير ولا يفهم من العقد سوى هذا، فلو قدرنا أن زاعما قال ياأخي بل أردت بصيغة التأجير البيع، نقول له هذا لا يقبل منك لعدم احتمال الخطأ في فهم عبارة تأجير.
والآن هل من ملاحظة أخرى على هذا الشق من العقد، الجواب نعم،فهناك من ينتقد العقد لوجود احتمال سحب السلعة المستأجرة من تحت يد المستأجر حين يتأخر في سداد ما عليه، وياله من منظر مأساوي أن يخرج الرجل من بيته ليتجه إلى العمل ثم لا يجد السيارة أمام المنزل (هذا كمثل)،ليس لأنها مسروقة بل لأن شركة التأجير قد سحبتها، ويظل ساخطا ويقول والله لا يجوز التأجير المنتهي بالتمليك (هكذا يفتي ولعله لا يصلي و يقسم لصحة مذهبه) لأن الشركة أكلته مقلبا، وسحبت سيارتها (التي يظنها سيارته) دون إنذار.
طيب تصور أنك استأجرت سيارة من شركة تأجير لا تبيع السيارات أصلا فهي شركة تأجير من الألف إلى الياء، ثم أتت وسحبت السيارة نظرا لعدم سدادك المبالغ المترتبة هكذا لعدة أيام، هل ستغضب، أو تطنش، وخليهم ياكلوا هواء، والله ما يشوفوا مني قرشا!
أخي أنا أتحدث عن واقع وليس عن خيال، وتصور لو كنت أنت صاحب الشركة، هل ستفعل فعله؟
قد تقول يا أخي أغراضي الشخصية وأوراقي و .. و .. ،فأقول لك يداك أوكتا وفوك نفخ، ماذا تصنع لك الشركة إذا تأخرت عن السداد عدة أشهر هل تسلم على رأسك لتعطيها حقها، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم يقول المسلمون على شروطهم، وبالفعل هم يخبرونك أن السيارة سوف تسحب إن لم يتم السداد، والواقع أنهم لا يفعلون ذلك إلا بعد عدد من التحذيرات، ولكنك لا تبالي، وهو من حقهم، وهو مما لا أثر له في صحة العقد من هذه الحيثية، ولا أظن طالب علم يحكم ببطلان هذه المعاملة من هذه الحيثية.
بقي أن من الذوق وحسن التعامل ألا تعمد الشركة لهذا الأمر سوى كحل أخير مع التأكيد على العميل بل الاشتراط عليه ألا يدع شيئا مهماً في السيارة وإلا فهم غير مسؤولين عنه لو سحبت، وعلى الشركة التأكيد أيضا للمستأجر بهذه الطريقة أن سيارته سوف تسحب في غضون مثلا ثلاثة أشهر لعدم السداد، هذا من الذوق ومما يقلل الخصومة، وهو ما أنصح الشركات لاشتراطه على المتعاملين معها بهذه الطريقة،
والآن هل من ملاحظ أخرى على العقد في شقه الأول.
¥