ـ[عبدالرحمن الفقيه.]ــــــــ[07 - 09 - 03, 11:38 م]ـ
وأما مسألة أن الأصل في الأبوال النجاسة فقد ينازع فيها، وكذلك معنى الركس وأنه النجس وقد نبه إلى ذلك أيضا ابن تيمية رحمه الله
ولعلي أسوق كلام الإمام ابن تيمية رحمه الله للفائدة
وقَالَ ـ رحمَهُ الله: (534 - 586)
أما بعد، فقد كنا في مجلس التفقه في الدين، والنظر في مدارك الأحكام المشروعة تصويرًا وتقريرًا وتأصيلا وتفصيلا، فوقع الكلام في شرح القول في حكم منى الإنسان وغيره من الدواب الطاهرة، وفي أرواث البهائم المباحة: أهى طاهرة أم نجسة؟ على وجه أحب أصحابنا تقييده، وما يقاربه من زيادة ونقصان، فكتبت لهم في ذلك، فأقول ولا حول ولا قوة إلا باللَّه.
هذا مبنى على أصل، وفصلين. أما الأصل:
فاعلم أن الأصل في جميع الأعيان الموجودة ـ على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها ـ أن تكون حلالا مطلقًا للآدميين، وأن تكون طاهرة لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها، ومماستها، وهذه كلمة جامعة، ومقالة عامة، وقضية فاضلة عظيمة المنفعة، واسعة البركة، يفزع إليها حملة الشريعة، فيما لا يحصى من الأعمال. وحوادث الناس، وقد دل عليها أدلة عشرة ـ مما حضرنى ذكره من الشريعة ـ وهى: كتاب الله، وسنة رسوله، واتباع سبيل المؤمنين المنظومة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]، وقوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ} [المائدة: 55]. ثم مسالك القياس، والاعتبار، ومناهج الرأي، والاستبصار.
الصنف الأول: الكتاب، وهو عدة آيات.
الآية الأولى قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29]، والخطاب لجميع الناس. لافتتاح الكلام بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]، ووجه الدلالة أنه أخبر، أنه خلق جميع ما في الأرض للناس مضافًا إليهم باللام، واللام حرف الإضافة، وهي توجب اختصاص المضاف بالمضاف إليه، واستحقاقه إياه من الوجه الذي يصلح له، وهذا المعنى يعم موارد استعمالها. كقولهم: المال لزيد، والسرج للدابة، وما أشبه ذلك فيجب إذًا أن يكون الناس مملكين ممكنين لجميع ما في الأرض فضلاً من الله ونعمة، وخص من ذلك بعض الأشياء وهي الخبائث؛ لما فيها من الإفساد لهم في معاشهم، أو معادهم، فيبقى الباقي مباحًا بموجب الآية.
الآية الثانية: قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، دلت الآية من وجهين:
أحدهما: أنه وبخهم وعنفهم على ترك الأكل مما ذكر اسم الله عليه قبل أن يحله باسمه الخاص، فلو لم تكن الأشياء مطلقة مباحة لم يلحقهم ذم ولا توبيخ؛ إذ لو كان حكمها مجهولا، أو كانت محظورة لم يكن ذلك.
الوجه الثاني: أنه قال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119]، والتفصيل التبيين، فبين أنه بين المحرمات، فما لم يبين تحريمه ليس بمحرم. وما ليس بمحرم فهو حلال؛ إذ ليس إلا حلال أو حرام.
الآية الثالثة: قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ} [الجاثية: 13]، وإذا كان ما في الأرض مسخرًا لنا، جاز استمتاعنا به كما تقدم.
الآية الرابعة: قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} الآية [الأنعام: 145]، فما لم يجد تحريمه، ليس بمحرم. وما لم يحرم، فهو حل، ومثل هذه الآية قوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ} الآية [البقرة: 173]؛ لأن حرف: [إنما] يوجب حصر الأول في الثاني، فيجب انحصار المحرمات فيما ذكر. وقد دل الكتاب على هذا الأصل المحيط في مواضع أخر.
الصنف الثاني: السنة والذي حضرني منها حديثان:
¥