تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من ولوغ الكلب في أوانيهم، فلو كانت نجسة يجب غسل الثياب والأبدان والأواني منها، وعدم مخالطته، ويمنع من الصلاة مع ذلك، ويجب تطهير الأرض مما فيه ذلك، إذا صلي فيها. والصلاة فيها تكثر في أسفارهم، وفي مراح أغنامهم، ويحرم شرب اللبن الذي يقع فيه بعرها وتغسل اليد إذا أصابها البول، أو رطوبة البعر ـ إلى غير ذلك من أحكام النجاسة ـ لوجب أن يبين النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا تحصل به معرفة الحكم، ولو بين ذلك لنقل جميعه أو بعضه، فإن الشريعة وعادة القوم توجب مثل ذلك، فلما لم ينقل ذلك علم أنه لم يبين لهم نجاستها.

وعدم ذكر نجاستها دليل على طهارتها من جهة تقريره لهم على مباشرتها، وعدم النهى عنه، والتقرير دليل الإباحة، ومن وجه أن مثل هذا يجب بيانه بالخطاب، ولا تحال الأمة فيه على الرأي؛ لأنه من الأصول لا من الفروع. ومن جهة أن ما سكت الله عنه فهو مما عفا عنه، لاسيما إذا وصل بهذا الوجه.

الوجه التاسع ـ وهو الثاني عشر: وهو أن الصحابة والتابعين وعامة السلف قد ابتلي الناس في أزمانهم بأضعاف ما ابتلوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشك عاقل في كثرة وقوع الحوادث المتعلقة بهذه المسألة. ثم المنقول عنهم أحد الشيئين: إما القول بالطهارة، أو عدم الحكم بالنجاسة، مثل ما ذكرناه عن أبي موسي وأنس وعبد الله بن مغفل أنه كان يصلي وعلى رجليه أثر السرقين. وهذا قد عاين أكابر الصحابة بالعراق، وعن عبيد بن عمير قال: إن لي غنمًا تبعر في مسجدي، وهذا قد عاين أكابر الصحابة بالحجاز، وعن إبراهيم النخعي أنه سئل فيمن يصلي وقد أصابه السرقين، قال: لا بأس، وعن أبي جعفر الباقر ونافع مولي ابن عمر أنه أصابت عمامته بول بعير فقالا جميعًا: لا بأس. وسألهما جعفر الصادق وهو أشبه بالدليل على أن ما روي عن ابن عمر في ذلك من الغسل، إما ضعيف، أو على سبيل الاستحباب والتنظيف، فإن نافعًا لا يكاد يخفي عليه طريقة ابن عمر في ذلك، ولا يكاد يخالفه، والمأثور عن السلف في ذلك كثير.

وقد نقل عن بعضهم ألفاظ إن ثبتت فليست صريحة بنجاسة محل النزاع، مثل ما روي عن الحسن أنه قال: البول كله يغسل، وقد روي عنه أنه قال: لا بأس بأبوال الغنم، فعلم أنه أراد بول الإنسان الذكر والأنثي، والكبير والصغير. وكذلك ما روي عن أبي الشعثاء أنه قال: الأبوال كلها أنجاس. فلعله أراد ذلك إن ثبت عنه. وقد ذكرنا عن ابن المنذر وغيره، أنه لم يعرف عن أحد من السلف القول بنجاستها ومن المعلوم الذي لا شك فيه أن هذا إجماع على عدم النجاسة، بل مقتضاه أن التنجيس من الأقوال المحدثة فيكون مردودًا بالأدلة الدالة على إبطال الحوادث، لاسيما مقالة محدثة مخالفة، لما عليه الصدر الأول. ومن المعلوم أن الأعيان الموجودة في زمانهم ومكانهم إذا أمسكوا عن تحريمها وتنجيسها مع الحاجة إلى بيان ذلك، كان تحريمها وتنجيسها ممن بعدهم بمنزلة أن يمسكوا عن بيان أفعال يحتاج إلى بيان وجوبها لو كان ثابتًا، فيجيء من بعدهم فيوجبها.

ومتى قام المقتضي للتحريم أو الوجوب ولم يذكروا وجوبًا ولا تحريمًا، كان إجماعًا منهم على عدم اعتقاد الوجوب والتحريم ـ وهو المطلوب ـ وهذه الطريقة معتمدة في كثير من الأحكام، وهي أصل عظيم ينبغي للفقيه أن يتأملها، ولا يغفل عن غورها، لكن لا يسلم إلا بعدم ظهور الخلاف في الصدر الأول، فإن كان فيه خلاف محقق بطلت هذه الطريقة والحق أحق أن يتبع.

الوجه العاشر ـ وهو الثالث عشر في الحقيقة: أنَّا نعلم يقينًا أن الحبوب من الشعير والبيضاء والذرة ونحوها، كانت تزرع في مزارع المدينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، ونعلم أن الدواب إذا داست، فلابد أن تروث وتبول، ولو كان ذلك ينجس الحبوب، لحرمت مطلقًا، أو لوجب تنجيسها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير