وقال الشاطبي رحمه الله تعالى [9]:"ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقية أن يكون أصل العبادة مشروعاً إلا أنها تخرج عن أصل شرعيتها بغير دليلٍ توهماً أنها باقية على أصلها تحت مقتضى الدليل وذلك بأن يقيد إطلاقها بالرأي أو يطلق تقييدها، وبالجملة فتخرج عن حدها الذي حد لها، ومثال ذلك أن يقال: إن الصوم في الجملة مندوب إليه لم يخصه الشارع بوقتٍ دون وقت ولا حد فيه زماناً دون زمان ماعدا ما نهي عن صيامه على الخصوص كالعيدين، أو ندب إليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء بقول، فإذا خصّ منه يوماً من الجمعة [10] بعينه أو أياماً من الشهر بأعيانها لا من جهة ما عينه الشارع فإن ذلك ظاهر بأنه من جهة اختيار المكلف كيوم الأربعاء مثلاً في الجمعة [11] والسابع والثامن في الشهر وما أشبه ذلك …فلاشك أنه رأي محض بغير دليل ضاهى به تخصيص الشارع أياماً بأعيانها دون غيرها فصار التخصيص من المكلف بدعة إذ هي تشريع بغير مستند، ومن ذلك تخصيص الأيام الفاضلة بأنواعٍ من العبادات التي لم تشرع لها تخصيصاً…فإن ذلك التخصيص والعمل به إذا لم يكن بحكم الوفاق أو بقصد يقصد مثله أهل العقل والفراغ والنشاط كان تشريعاً زائداً"اهـ ......................
وكما قال أبوشامة الدمشقي رحمه الله تعالى [12]:"إن المكلف ليس له منصب التخصيص بل ذلك إلى الشارع"اهـ، وهذا الخط الموضوع في صحن المطاف قد قيد مطلق المحاذاة بلا دليل.
فإن قيل: إن هذا الخط محاذٍ للحجر الأسود فهو داخل في النصوص ولم يخالفها، وإنما القاعدة المذكورة فيمن خصّص شيئاً بلا دليل كمن خصّص يوماً معيناً أو مكاناً معيناً بصيامٍ أو قيامٍ أو عبادةٍ معينةٍ بلا دليل على تخصيصه بذلك، أما هنا فقد قامت الأدلة على مشروعية محاذاة الحجر الأسود والخط محاذٍ له وهو المطلوب.
فالجواب من وجهين:
الوجه الأول: إن الأدلة الشرعية أطلقت المحاذاة للحجر الأسود ولم تقيده بموضعٍ معين لا يتقدم عنه ولا يتأخر، فمن قيّد هذا المطلق بموضعٍ أو بخطٍ فعليه دليل آخر غير الأدلة العامة المطلقة.
الوجه الثاني: إن تخصيص بداية الطواف بهذا الخط داخلٌ في القاعدة قطعاً، وتوضيح ذلك: إن محاذاة الحجر الأسود أمرها واسع لا كما يوهمه هذا الخط من أن الطائف لا يكون محاذياً للحجر الأسود إلا إذا وصل إليه، فإن المحاذاة إنما تضيق إذا اقتربت من الحجر الأسود وتتسع كلما ابتعدت عنه على كل المذاهب حتى من تشدّد في المحاذاة فأوجب محاذاة الحجر بكل البدن ورؤية ضلعي البيت فإن هذا يتحقق من مواضع متعددة أوسع مما يوهمه هذا الخط الذي حجّر واسعاً وإليك رسماً تقريبياً يبين المقصود من هذا الكلام: (اضغط هنا لمشاهدة الرسم)
فإذا تبين هذا اتضح أنهم قيّدوا مطلق المشروع من المحاذاة بخطٍ لا دليل لهم على تعيينه، كما لو خصّص أحدٌ يوماً بعينه بصيامٍ لا دليل له على تعيينه فإنه يقال له: هذا التخصيص بدعة، ولو استدل بمشروعية الصيام، لقيل له: إن مطلق الصيام مشروع أما تقييده بهذا اليوم بعينه فلا تدل عليه الدلالة العامة المطلقة ولكن تتناوله لما فيه من القدر المشترك، والتخصيص للشارع لا للمكلف، وكذلك لو أن أحداً خصّ يوماً بصلاةٍ بلا دليل إلا مشروعية الصلاة المطلقة، لقيل له مثل ما قيل للأول تماماً، ففي المسألتين السابقتين لا نرد عليه بنفي مشروعية الصلاة أو الصيام بل نطالبه بدليل التخصيص ولا نكتفي بالدلالات المطلقة، وكذلك مسألتنا تماماً: فلو استدل من قال بمشروعية هذا الخط بمشروعية محاذاة الحجر الأسود لقيل له:إن المشروع مطلق المحاذاة من أي موضعٍ كان، أما هذا الخط المعين فلا تدل عليه الدلالة العامة المطلقة بخصوصه وتقييده ولكن تتناوله لما فيه من القدر المشترك، والتخصيص للشارع لا للمكلف فتعيينه بهذه الصورة بدعة، والله تعالى أعلم.
http://www.al-fhd.com/
ارجو ان يكون وجه التمثيل بهذه المسالة واضحا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[محمد بن يوسف]ــــــــ[15 - 08 - 03, 03:21 م]ـ
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة أبو الوليد الجزائري
إشكال الاخوة فيما يظهر ليس في تسمية الحزب والورد ولكن في اختيار بعض الاكار والادعية،وان كانت ماثورة صحيحة،ودمج مجموعة منها في حزب هو من اقتراح الشيخ واختياره
هذا هو عين القصيد، لله درك يا أبا الوليد.
ونحن لا نشك طرفة عين أبدًا في فضل الشيخ وعلمه واتباعِه لِمَنهج السَّلف الصالح في التَّعبديَّات؛ بل هو من أكثر الناس دعوة له، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا؛ بل هو صَرح في ذلك في "مُقدمة" كتابه المذكور.
[والشيخ حفظه الله نحسبه من أبعد الناس عن البدعة ومن أفهمهم لقواعد البدع]- كما قال أخونا حامد الحنبلي (حفظه الله).
فلا زال السؤال قائمًا: مَن يُجيبنا عن هذا الإشكال؟!
وجزاكم الله خيرًا.
ـ[حامد الحنبلي]ــــــــ[15 - 08 - 03, 09:40 م]ـ
هذا الإشكال ورد عندي منذ زمن
وأظن أن الشيخ قام بعمل إستقراء للأدعية المطلقة الواردة في الكتاب والسنة ثم رتبها على هيئة أحزاب ليسهل حفظها و قراءتها
أما طريقة الترتيب نفسها فهي غير ملزمة ولا ذات فضيلة في ذاتها ولم يصرح الشيخ حفظه الله بذلك
ولا أظن أن هناك وسيلة أخرى لجمع هذه الأذكار والأدعية المطلقة بغرض تسهيلها على الذاكر إلا وفيها هذا المحذور
وأظن ان الوسائل لها حكم المقاصد ما لم ينص على ان الوسيلة فضيلة في ذاتها
والشيخ حفظه الله نحسبه من أبعد الناس عن البدعة ومن أفهمهم لقواعد البدع.
¥