وإتمام عثمان الصلاة في منى مع أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم قصرها كما هو ثابت مشهور, فلا يشك عاقل, أنهما لا يتبعان في مثل هذه الأمثلة المخالفة للسنة, فينبغي أن يكون الأمر هكذا في نهيهما عن المتعة للقطع بثبوت أمره صلى الله عليه وسلم وبها. لا يقال: لعل عندهما علماً بان النهي عنها ولذلك نهي عنها, لأننا نقول: قد ثبت من طرق أن نهيهما إنما كان عن رأي واجتهاد حادث, فقد روى مسلم (4/ 46) وأحمد (1/ 50) عن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة, فقال له رجل:"رويدك ببعض فتياك, فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك, حتى لقيه بعد, فسأله فقال عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه ولكن, كرهت أن يضلوا معرسين بهن في الأراك, ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم" (رواه البيهقي 5/ 20).
وهذا التعليل من عمر رضي الله عنه إشارة منه إلى أن المتعة التي نهى عنها التي فيها التحلل بالعمرة إلى الحج كما هو ظاهر, ولكن قد صح عنه تعليل آخر يشمل فيه متعة القران أيضاً فقال جابر رضي الله عنه: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام عمر قال:"إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء, وأن القرآن قد نزل منازله, فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله, فافصلوا حجكم من عمرتكم؛ فإنه أتم لحجتكم, وأتم لعمرتكم" أخرجه مسلم والبيهقي (5/ 21)
فثبت مما ذكرنا أن عمر رضي الله عنه تأول آية من القرآن بما خالف به سنته صلى الله عليه وسلم فأمر بالإفراد, وهو صلى الله عليه وسلم نهى عنه, ونهى عمر عن المتعة, وهو صلى الله عليه وسلم أمر بها, ولهذا يجب أن يكون موقفنا من عمر هنا كموقفنا منه في نهيه الجنب الذي لا يجد الماء أن يتيمم ويصلي, ولا فرق. (السلسلة الضعيفة 1/ 51 - 53).
أقول: وموقفي من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه حكم مجتهد ولم يتعمد مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه بشر يصيب ويخطأ وهو مأجور على إجتهاده ولكن يجب أن نعرف أن الصحابة والتابعين ليسوا معصومين وقد تصدر منهم البدعة كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه:
- كثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا انه بدعة , إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة , وإما لآيات فهموا منها مالم يرد منها , وإما للاأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم. (مجموع فتاوى شيخ الإسلام 19/ 191)
أقول: وإذا حدث مثل هذا يكون فتنه كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه:
- ومما يتعلق بهذا الباب أن الرجل العظيم في العلم والدين , من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة , أهل البيت وغيرهم , قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن , ونوع من الهوى الخفي , فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغى اتباعه فيه , وإن كان من أولياء الله المتقين.
ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين: طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه , وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا في ولايته و تقواه , بل في بره وكونه من أهل الجنة , بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان. وكلا هذين الطرفين فاسد. (منهاج السنة النبوية 4/ 543)
وهذا بالضبط ما حصل عند أهل السنة , والرافضة لعنهم الله.
أما الحديث الذي استدل به شيخ الإسلام " إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " فهذا الحديث لا يدل على المواظبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث في ليلة (25) ولم يقم بالناس جماعة في ليلة (26) مع إن الخشية لم تكن قد أتت بعد فلماذا لم يصلي النبي صلى الله عليه وسلم هذه الليلة وهي (26)؟ ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بالليلة التي بعدها بعدت أيام " صلوا في بيوتكم فإن خير صلاة المراء في بيته إلا المكتوبة " فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صرف الناس إلى السنة وهي صلاة القيام في البيوت وإن صلاته هذه لم تكن إلا لأجل ليلة القدر ولقد صلاها في ليلة (27) والذي يبين أن ليلة القدر كانت في ليلة (27) هو سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عندما صلى ليلت القدر وهذا هو الحديث:
¥