تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقول اليهودي عند المتكلمين جميعا قول كفري قبيح فهل يليق بخاتم رسل رب العالمين الذي ابتعثه ربه لتصحيح عقائد العباد أن يضحك "حتى تبدو نواجذه" في وجه كافر جسم ربه في صورة رجل مخلوق بشع!!!

-فإن قلت لم لا يحمل كلام اليهودي على المجاز؟ قلنا ذلك بعيد لأن عقيدة اليهود مبنية على التجسيم عند المتكلمين، وقد تواتر عن هؤلاء المتكلمين تشنيعهم على أهل السنة أن عقيدتهم مأخوذة عن اليهود.

فلا يجوز تأويل ظاهر كلام الحبر اليهودي لأنه لا يقصد غير الظاهر .. ومن من الناس أعلم من رسول الله بعقائد أهل الكتاب؟

-وإن قلت لم لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد ضحك استخفافا بعقل اليهودي؟

قلنا الاستهزاء والاستخفاف ليس من أخلاق النبوة في شيء ... صحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يمازح أصحابه أحيانا ويضحك من بعض أقوالهم وأفعالهم .. كما كان يغضب منهم أحيانا حتى يحمر وجهه .. ولكل مقام مقال .. والمقام هنا يقتضي الجد.

- ثم كيف يتلو عليه السلام آية في معرض السخرية ... !

-ثم-وهذا أهم-كيف يلبس على المحيطين به في أمر العقيدة في صفات الله ... وهو الذي كان من عادته أن يكرر الكلام ثلاثا ليفهم عنه؟؟

خلاصة الكلام إذا كان تأويل الزمخشري صحيحا فالبلاغة باطلة قطعا ... أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتصرف على غير ما تقتضيه البلاغة بل غير ما تقتضيه العقيدة!!

2 -

ومن هذا المشرب الكدر أيضا تأويل المتكلمين لآيات الاستواء.

قال الرازي:

ويدخل في هذا الباب استدلال المشبهة بقوله تعالى: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] فإنه لما ثبت بصريح العقل أن كل ما كان مختصاً بالحيز فإما أن يكون في الصغر كالجزء الذي لا يتجزأ وهو باطل بالاتفاق وإما أن يكون أكبر فيكون منقسماً مركباً وكل مركب فإنه ممكن ومحدث، فبهذا الدليل الظاهر يمتنع أن يكون الإله في مكان، فيكون قوله {الرحمن عَلَى العرش استوى} متشابهاً، فمن تمسك به كان متمسكاً بالمتشابهات.

وذكر خمسة عشر حجة عقلية لنفي الاستواء .. عند تفسير قوله تعالى:

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)

ويمكن- على مذهب الرازي -بكل سهولة رفع عدد الحجج إلى عشرات، وليس فقط خمسة عشر ...

ومن عجيب صنع الرازي أنه مدح الزمخشري مدحا جميلا عندما نقل تفسيره لقوله تعالى:

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ

فقال:

"ما ذكره صاحب «الكشاف»، وقد أحسن فيه جداً فقال إن المقصود منه التنبيه على أن الله تعالى لو كان حاضراً بالعرش لكان حملة العرش والحافون حول العرش يشاهدونه ويعاينونه، ولما كان إيمانهم بوجود الله موجباً للمدح والثناء لأن الإقرار بوجود شيء حاضر مشاهد معاين لا يوجب المدح والثناء، ألا ترى أن الإقرار بوجود الشمس وكونها مضيئة لا يوجب المدح والثناء، فلما ذكر الله تعالى إيمانهم بالله على سبيل الثناء والمدح والتعظيم، علم أنهم آمنوا به بدليل أنهم ما شاهدوه حاضراً جالساً هناك، ورحم الله صاحب «الكشاف» فلو لم يحصل في كتابه إلا هذه النكتة لكفاه فخراً وشرفاً."

قلت هذه غفلة من الرازي ... فقد رأى في تأويل الزمخشري دليلا على استحالة الاستواء فأثنى عليه .. لكنه لم ير أن قول الزمخشري بعينه يتضمن نفي الرؤية وهو ما لا يقوله الأشاعرة. فتأمل!

لكن الذي يهمني هنا هو قواعد البلاغة ..

لاشك عند أي مسلم أن الله تعالى مدح نفسه عندما قال:

{الرحمن عَلَى العرش استوى}

ولا شك عند المتكلمين أن ظاهر الآية يدل على معنى قبيح لا يليق بالله سبحانه ...

فانتصب السؤال:

كيف يمدح الله نفسه بما ظاهره لا يليق به!

كيف يكون الباطل سبيلا إلى الحق!

لا ينفع المتكلمين أن يقولوا: ظاهر الآية غير مراد ... فنحن نقول إن لم يكن مرادا فهو مستعمل .. وإن كل قاريء للآية ليس منطلقه إلا منها .. فكيف يلقي الله بأسماعنا ما لا يليق به ويطالبنا بتأويله إلى ما لا يليق .. ؟!

مثاله-ولله المثل الأعلى-

أن حاكما من حكام المسلمين قرر تطبيق الشريعة كليا ... فأحيا سنة جمع الزكاة ... ونجح في ذلك نجاحا باهرا بحيث حق له أن يفتخر بعمله. فإن افتخر يوما فسيقول:

"أنا من جمع الزكوات."!

ولكن هل يتصور أحد أن يقول الحاكم مثلا على الملأ:

"أنا زبال المسلمين"!!!

وعند حصول الدهشة من المستمعين قال:

ليس الذي تذهبون إليه وإنما أردت جمع الصدقات .. ولما كانت الصدقات أوساخ المال قلت عن نفسي "زبال".

هو حاكم صالح حقا،ولكن من المؤكد أنه تفصله عن البلاغة مفاوز تنقطع فيها الأعناق!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير