وإن الأمر سهل ميسور - ولله الحمد - فلا يحتاج إلى بحث ولا قواميس، ولا معاجم، إذ هو أمر التقت فيه دلالة الشرع مع سلامة الفطرة، فما على المسلم إلا أن يعبد اسم مولوده باسم من أسماء الله تعالى، أو يدير فكره ونظره في محيط أسماء أنبياء الله ورسله الصالحين من عباده من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم ممن اهتدى بهديهم، ونحو ذلك مما يجري على سنن لسان العرب، فيختار ما لا يأباه الشرع، وإن ضاقت عليه الدائرة، فليسترشد بعالم يعرف جودة رأيه، وصفاء اعتقاده، وسلامة ذوقه وحسب، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعرضون أولادهم على النبي صلى الله عليه وسلم فيسميهم، وهذا دليل على مشروعية مشورة أهل العلم وطلبته في ذلك.
وهذه أيضاً واحدة من وسائل الربط بين العلماء وعامة المسلمين.
بعد هذه المقدمة الكاشفة عن معالم التسمية ودوافع الكتابة فيها أسوق إليك الهدي النبوي في تسمية المولود، محفوفاً بنصوصه الشرعية، وقد التزمت أن لا أورد إلا حديثاً صحيحاً.
وهي معقودة في عشرة أصول.
وليسمح لي الناظر فيه من سياق الأساليب الزجرية، فإن مقارعة الظواهر التقليدية الفاشية دعت إلى هذا، عسى أن تتم اليقظة لمجافاتها والضرب دونها بسور ليس له باب راجياً من الله تعالى أن يلاقي هذا الكتاب نفوساً طيبة مطمئنة راغبة في الخير، فتستفيد منه وتفيد، وما أنا فيه إلا كما قيل:
لأبلي عذراً أو لأبلغ حاجة.*.*.*.*. ومبلغ نفس عذرها مثل منجح
بارك الله لك أيها المسلم في مولودك فشكرت الوهاب وبورك في الموهوب.
والله ولي التوفيق والسداد
الأصول المهمة في الأسماء
• الأصل الأول: في أهمية الاسم وآثاره على المولود ووالديه وأمته
لا بد - قبل - من الوقوف على حقيقة الاسم:
فقيل: مشتق من الوسم، بمعنى: العلامة، ولهذا قيل له: اسم، لأنه يسم من سمي به ويعلم عليه، وهذا في القرآن الكريم كثير، كما قال الله تعالى: ? يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ?. [مريم: 7].
وقيل: من السمو بمعنى: العلو.
وجائز اجتماع المعنيين في خصوص تسمية الآدميين من المسلمين، فيكون الاسم من العلامة السامية العالية.
وجمعه على: أسماء، وأسام، وأسامي.
فحقيقة الاسم للمولود: التعريف به، وعنونته بما يميزه على وجه يليق بكرامته آدمياً مسلماً.
ولهذا اتفق العلماء على وجوب التسمية للرجال والنساء.
وعليه، فإذا لم تكن تسمية، بقى المولود مجهولاً غير معلوم، مختلطاً بغيره غير متميز، إذ الاسم يحدد المولود ويميزه ويعرف به.
وانظر كيف كان الإسناد عند المحدثين إذا جاء فيه من أيهم اسمه أو أهمل، صار السند من قسم الضعيف حتى يعرف، للوقوف على حاله.
فإذا ناقض الأب هذه الحقيقة الشرعية، فعدل إلى اختيار اسم لا يقره الشرع ولا يسعه لسان العرب، أحدث هذا الاختيار صراعاً وتناقضاً بين كرامته آدمياً مسلماً وبين عنوانه الذي لم يحسن اختياره.
فمن حقيقته هذه نعرف أهميته، ولماذا يقترن بها من أوليات مهمة.
فالاسم هو أول ما يواجه المولود إذا خرج من ظلمات الأرحام.
والاسم أول صفة تميز في بني جنسه.
والاسم أول فعل يقوم به الأب مع مولوده مما له صفة التوارث والاستمرار.
والاسم أول وسيلة يدخل بها المولود في ديوان الأمة.
فمن حقيقته وأولياته تبدو أهميته، ويزيد في ظهورها أن الاسم مع أنه أمر معنوي لا ثمن له يدفع مقابل الاختيار، فهو ينافس المال في المحافظة عليه، وعدم التفريط به، والمنازعة في تحويره والاعتداء عليه.
قال الجاحظ: " كان عندنا حارس يكني أبا خزيمة فقلت يوماً وقد خطر على بالي: كيف اكتني هذا العلج الألكن بأبي خزيمة؟ ثم رأيته فقلت له: خبرني عنك، أكان أبوك يسمى خزيمة؟ قال: لا. قلت: فجدك أو عمك أو خالك؟ قال: لا. قلت: فلك ابن يسمي خزيمه؟ قال: لا. قلت: فكان لك مولى يسمى خزيمه؟ قال: لا. قلت: فكان في قريتك رجل صالح أو فقيه يسمى خزيمة؟ قال: لا. قلت: فلم اكتنيت بأبي خزيمة وأنت علج ألكن، وأنت فقير، وأنت حارس؟ قال: هكذا اشتهيت. قلت: فلأي شئ اشتهيت هذه الكنية من بين جميع الكنى؟ قال: ما يدريني؟ قلت: فتبيعها الساعة بدينار وتكتني بأي كنية شئت؟ قال: لا والله، ولا بالدنيا وما فيها ".
¥