اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من نزغات الشيطان.
ـ[ابن أبي حاتم]ــــــــ[10 - 01 - 04, 03:14 ص]ـ
تصديق الكاهن لا خلاف في حرمته، وإنما الشأن في هل هو مكفر أو لا؟
والمسألة فيه قولان لأهل العلم:
القول الأول: أنه كفر.
القول الثاني: أنه كفر أصغر، وليس بردة.
وممن قال بالقول الثاني الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ رحمه الله.
قال الشيخ في شرحه لكتاب التوحيد:
«قال (روى مسلم في صحيحة عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النّبِيّ ?، عَنِ النّبِيّ ?، قال: قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدّقَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا») هذا الحديث نبه الشراح على أن لفظه في مسلم (مَنْ أَتَى عَرّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا) بدون كلمة (فَصَدّقَهُ)، وكلمة (فَصَدّقَهُ) في هذا الحديث موجودة في مسند الإمام أحمد، فالشيخ رحمه الله ذكر هذا اللفظ وعزاه لمسلم على طريقة أهل العلم في عزو الحديث لأحد صاحبي الصحيح إذا كان أصله فيهما لإتحاد الطريق أو نحو ذلك.
(مَنْ أَتَى عَرّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدّقَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا) هذا الحديث فيه جزاء الذي يأتي العرّاف فيسأل العراف، وقلنا إن العراف يشمل اسم الكاهن ونحو ذلك، فـ (مَنْ أَتَى عَرّافاً فَسَأَلَهُ) بمجرد سؤال ولم يصدقه فإنه لا تقبل له صلاة أربعين يوما.
والمقصود من قوله (لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا) أنها تقع مجزئة لا يجب عليه قضاؤها؛ ولكن لا ثواب له فيها؛ لأن الذنب والإثم الذي حصّله حين أتى العرّاف فسأله عن شيء، يقابل ثواب الصلاة أربعين يوما، فأسقط هذا هَذا، ويدل ذلك على عظم ذنب الذي يأتي العراف فيسأله العراف عن شيء ولو لم يصدقه، وهذا عند أهل العلم في حق من أتى العراف فسأله عن شيء رغبة في الإطلاع.
أما من أتى العراف فسأله للإنكار عليه وحتى يتحقق أنه عرّاف فلا يدخل في ذلك؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
الحالة الثانية أن يأتي العراف فيسأل عن شيء فإذا أخبره الكاهن أو العراف صدّقه بما يقول. فالحديث الأول عن بعض أزواج النبي ? فيه أنه (لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا)، والحديث الثاني فيه أنه (كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ?) فيتضح بالحديثين أنّ الحالة الثانية هي من أتى العراف والكاهن فسأله عن شيء فصدقه أنه كفر بما أنزل على محمد ? وأنه لا تقبل له صلاة أربعين يوما.
وهذا الحال يدل على أن الذي أتى الكاهن أو العراف فصدقه, أنه لم يخرج من الملة؛ لأنه حد عليه الصلاة والسلام عدم قبول صلاته أربعين يوما، والكافر الذي حُكم عليه أنه كافر كفرا أكبر ومرتد وخارج من الملة فإن صلاته لا تقبل بتاتا حتى يرجع إلى الإسلام.
? قال طائفة من أهل العلم دل قوله (فَصَدّقَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا) على أن قوله (كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ) أنه كفر أصغر وليس بالكفر المخرج من الملة, وهذا القول صحيح، وهو الذي يتعين الجميع بين النصوص فإن قول النبي عليه الصلاة والسلام (مَنْ أَتَى عَرّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدّقَهُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا) يدل على أنه لم يخرج من الإسلام، والحديث الآخر وهو قوله (مَنْ أَتَىَ كَاهِناً, فَصَدّقَهُ بِمَا يَقُولُ, فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ) يدل على كفره، فعلمنا بذلك على أن كفره كفر أصغر وليس كفر مخرج من الملة.
وهذا أحد الأقوال من مسألة كفر من أتى الكاهن فصدقه بما يقول.
? والقول الثاني أنه يتوقف فيه فلا يقال يكفر كفر أكبر ولا يقال أصغر، وإنما يقال هو كفر إتيان الكاهن وتصديقه كفر بالله جل وعلا ويسكت عن ذلك، ويطلق القول كما جاء في الأحاديث, وهذا لأجل التهديد والتخويف وهذا حتى لا يتجاسر الناس على هذا الأمر. وهذا هو مذهب الإمام أحمد, في المنصوص عنه.
? والقول الثالث من أقوال أهل العلم في ذلك أن الذي يصدق الكاهن كافر كفرا أكبر، كفره مخرج من الملة إذا أتى الكاهن فسأله فصدقه, أو صدق الكهان بما يقولون, قال طائفة من أهل العلم كفره كفر مخرج من الملة, وهذا القول فيه نظر من جهتين:
الجهة الأولى: ما ذكرناه من الدليل؛ من أن قوله عليه الصلاة والسلام (لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا) يدل على أنه لم يكفر الكفر الأكبر, ولو كان كفر الكفر الأكبر يحدّ عدم قبول صلاته تلك المدة من الأيام.
والثاني: أن تصديق الكاهن فيه شبهة, وادّعاء علم الغيب أو تصديق أحد ممن يدعي علم الغيب كفر بالله جل وعلا كفر أكبر؛ لكن هذا الكاهن الذي ادعى علم الغيب -كما نعلم أنه يخبر بالأمور المغيبة فيما سبق فيه-, عن طريق استراق الجن للسمع, فيكون -إذن- هو نقل ذلك الخبر عن الجن, والجن نقلوه عمن سمعوه في السماء، وهذه شبهة قد يأتي الآتي الذي يأتي للكاهن ويقول أنا أصدقه فيما أخبر من الغيب؛ لأنه قد جاءه علم ذلك الغيب من السماء عن طريق الجن، وهذه الشبهة تمنع من التكفير -تكفير تصديق الكاهن, تكفير من صدّق الكاهن-, الكفر الأكبر.
فصار عندنا أيضا أن القول الأظهر أن كفره كفر أصغر وليس بأكبر لدلالة الأحاديث ولظهور التعليل في ذلك».
¥