تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فقد جاءت عدة أحاديث، وروايات عن عدد (1) من الصحابة تبين أن من أتى عرافا .. فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ورواية أحمد فيها أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوما فقط!

إذن هي مخالفة أيضا لما في الأحاديث الأخرى التي يشهد لها القرآن بأن المصدق للكهنة كافر بالله لأنه مكذب لله ورسوله.


(1) أبو هريرة وابن مسعود وأنس وواثلة وعمران بن حصين وجابر بن عبد الله وابن عمر .. انظر الفتح 10/ 217 فقد تكلم على بعضها، ومجمع الزوائد 5/ 118.

==============================

ثم قال الشيخ صالح:

الحالة الثانية: أن يأتي العراف فيسأل عن شيء فإذا أخبره الكاهن أو العراف صدّقه بما يقول. فالحديث الأول عن بعض أزواج النبي ? فيه أنه (لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا)، والحديث الثاني فيه أنه (كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ?) فيتضح بالحديثين أنّ الحالة الثانية هي من أتى العراف والكاهن فسأله عن شيء فصدقه أنه كفر بما أنزل على محمد ? وأنه لا تقبل له صلاة أربعين يوما.

أقول: كل هذا مبني على صحة الروايتن وقد تقدم شذوذها ..
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 10/ 217: وورد في ذم الكهانة ما أخرجه أصحاب السنن وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة رفعه " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" وله شاهد من حديث جابر وعمران بن حصين أخرجهما البزار بسندين جيدين، ولفظهما "من أتى كاهنا" وأخرجه مسلم من حديث امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومن الرواة من سماها حفصة بلفظ:" من أتى عرافا ". وأخرجه أبو يعلى من حديث ابن مسعود بسند جيد لكن لم يصرح برفعه ومثله لا يقال بالرأي ولفظه" من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا " واتفقت ألفاظهم على الوعيد بلفظ حديث أبي هريرة إلا حديث مسلم فقال فيه " لم يقبل لهما صلاة أربعين يوما " ووقع عند الطبراني من حديث أنس بسند لين مرفوعا بلفظ " من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل صلاته أربعين يوما " والأحاديث الأول مع صحتها، وكثرتها أولى من هذا.
والوعيد جاء تارة بعدم قبول الصلاة، وتارة بالتكفير فيحمل على حالين من الآتي أشار إلى ذلك القرطبي. اهـ.
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله ـ تيسير العزيز ص410ـ: فإن الحديث الذي فيه الوعيد بعدم قبول الصلاة أربعين ليلة ليس فيه ذكر تصديقه، والأحاديث التي فيها إطلاق الكفر مقيدة بتصديقه. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في شرح كتاب التوحيد:
فرواية مسلم تدل على أن السؤال المجرد لا يجوز لأن فيه رفعا من شأنهم، وسؤالهم وسيلة إلى تصديقهم، وتعظيما لقدرهم ولما يقومون به من الشعوذة فينبغي تركهم وتناسيهم، وعند مسلم عن معاوية بن الحكم " قال ليسوا بشيء، ولا تأتوهم " احتقارا لهم وإعراضا عنهم، وإماتة لهم ولشأنهم.
وعن أبي هريرة: من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه. يدل على أن إتيانهم لا يجوز وتصديقهم في ادعاء علم الغيب كفر لأن علم الغيب لله وحده وهم ليسوا رسلا، وكذلك الكاهن كافر إذا ادعى علم الغيب ومن صدقه كفر لأنه لم يؤمن بقوله (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) فيجب الحذر منهم .... إلى أن قال: ... وتصديقهم كفر أكبر.

ثم قال الشيخ صالح:
والقول الثالث من أقوال أهل العلم في ذلك أن الذي يصدق الكاهن كافر كفرا أكبر، كفره مخرج من الملة إذا أتى الكاهن فسأله فصدقه, أو صدق الكهان بما يقولون, قال طائفة من أهل العلم كفره كفر مخرج من الملة, وهذا القول فيه نظر من جهتين:
الجهة الأولى: ما ذكرناه من الدليل؛ من أن قوله عليه الصلاة والسلام (لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا) يدل على أنه لم يكفر الكفر الأكبر, ولو كان كفر الكفر الأكبر يحدّ عدم قبول صلاته تلك المدة من الأيام. اهـ

أقول: إن كان هذا الكلام مبني على أنه لم يصدق فلا خلاف، وإن كان مبني على أنه صدق فالرواية لا تصح، وما يتبعها من تفريع تابع لها.

ثم قال الشيخ صالح:
والثاني: أن تصديق الكاهن فيه شبهة, وادّعاء علم الغيب أو تصديق أحد ممن يدعي علم الغيب كفر بالله جل وعلا كفر أكبر؛ لكن هذا الكاهن الذي ادعى علم الغيب -كما نعلم أنه يخبر بالأمور المغيبة فيما سبق فيه-, عن طريق استراق الجن للسمع, فيكون -إذن- هو نقل ذلك الخبر عن الجن, والجن نقلوه عمن سمعوه في السماء، وهذه شبهة قد يأتي الآتي الذي يأتي للكاهن ويقول أنا أصدقه فيما أخبر من الغيب؛ لأنه قد جاءه علم ذلك الغيب من السماء عن طريق الجن، وهذه الشبهة تمنع من التكفير -تكفير تصديق الكاهن, تكفير من صدّق الكاهن-, الكفر الأكبر.

أقول: في أول كلامه قرر أن من صدق الكاهن كفره أكبر مع أنه في أول الكلام قرر أنه لا يكفر لحديث لم تقبل له صلاة ... ثم خالفه هنا ثم نقضه أيضا لهذه الشبهة! ولو حاكمنا نصوص القرآن المحكمة، ونصوص السنة المطهرة بمثل هذا لوجد كل مبطل ما هو أوجه من هذا بكثير.

والله تعالى أعلم.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير