ودليل آخر على عدم فعل شيء من ذلك، وهو ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه يوم النحر وكن متمتعات، فإنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بذبح الهدي حين الإحلال من العمرة بمكة ويخالف ذلك في هدايا أزواجه رضي الله عنهن بذبحها يوم النحر، بل يظهر من هذا موافقة حديث جابر الذي نحن بصدد الكلام في دلالته لسائر الأحاديث في أن ذبح الهدايا ليس إلا يوم النحر. فتكون الفتوى حينئذ بجواز تقديم ذبح دم المتعة على يوم النحر قد اجتمع فيها محذوران.
" أحدهما ": مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" الثاني " تسبيب الثقاق والنزاع. ولا يخفى أن الشريعة المطهرة ترمي إلى اجتماع القلوب واتحاد القول والعمل في مواطن لا تحصى فيؤخذ من ذلك وغيره أنه ينبغي اتحاد عمل الحجاج في أفعال حجهم.وإذا كان الأمر كذلك فليس أولى القولين بأن يؤخذ به ويجتمع عليه إلا القول الذي دلالة السنة عليه أظهر من الشمس في رابعة النهار.
أما " الجواب " عن السؤال الثاني: فحيث كان الحال في الأفدية التي تدفعها الحكومة لبعض الحجاج قد بلغت إلى ما ذكر في السؤال، بل وإلى ما هو أفظع منه وأبشع بكثير، ولا سيما ووقوع ذلك في الحرام والإحرام، فان ترك الحكومة ذلك خير وأولى من الاستمرار عليه، بل الذي يظهر والحالة ما ذكر تعين العدول عن ذلك.
فنسأل الله أن يوفق الملك للفت النظر لهذه المسألة برفض تفريق تلك الذبائح، نصحاً منه للرعية، وقياماً بالواجبات الشرعية، وإبعاداً عن أسباب المعاصي والمظاهر الردية. والله الموفق، وهو سبحانه أعلم بالصواب.
أملاه الفقير إلى مولاه محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. 30/ 11/373 (هذه من الفتاوى التي طبعت ووزعت)
(1322 ـ فتوى مطولة ـ في: أنه لا يجوز ولا يجزي تقديم دم المتعة قبل يوم النحر، والجواب عما احتج به من جوزه)
ما قولكم وفقكم الله في تقديم ذبح هدي المتعة على يوم النحر: هل يجزئ، أم لا؟ وإذا قال بإجزائه أحد من أهل العلم فما وجه قوله؟
(الجواب): الحمد لله. لا يجوز، ولا يجزئ تقديم ذبح دم المتعة قبل يوم النحر. وإن قال به بعض أهل العلم فالحجج الساطعة والبراهين القاطعة مع جماهير أهل العلم،ولا دليل مع من خالفهم لا من كتاب ولا سنة ولا قول صاحب ولا قياس صحيح. وما ذكروه من الأحاديث،ونسبتهم ذلك إلى بعض الصحابة، والقياس الذي زعموه، وإيهامهم قوة الخلاف في ذلك: كل ذلك سيتبين لك فيما يأتي ـ إن شاء الله ـ أنه أشبه شيء بسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
وأبدأ بإيراد ما تيسر من الأحاديث الصحيحة المشتملة على أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة المهلين بالقران والمهلين بإفراد الحج ممن لم يسوقوا الهدي بأن يفسخوا الحج إلى العمرة، فيكونوا بذلك متمتعين بالعمرة إلى الحج:
فروى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس:" من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقتضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت والصفا والمروة وليقصر، وليحل، ثم ليهل بالحج،وليهد، فمن لم يجد هدياً فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " الحديث.
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخاً، فلما قدمنا مكة " أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحنا إلى منى أهللنا بالحج".
¥