روى أحاديث فسخ الحج إلى العمرة في حق القارن والمفرد الذين لم يسوقا الهدي جماعة من الصحابة ينيفون عن العشرة، وقد تقدمت أسماؤهم وأحاديثهم الدالة على عدم شرعية التقديم لتظاهرها مع كثرتها وصحتها على عدم صحة تلك الزيادة، ومن جملتهم جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين، وقد جاءت من طرق متعددة،ولم يذكر من طريق من طرق واحد من هذه الأحاديث ذكر تلك الزيادة نعم جاءت في طريق واحد من طرق راو واحد من رواة حديث جابر وهو أبو الزبير المكي، وهي ما رواه أحمد ومسلم من حديث محمد بن بكر البرساني، حدثني محمد بن حاتم، حدثنا محمد بن بكر، أخبرناابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال:" فأمرنا إذا أحللنا أن نهدي ويجتمع النفر منا في الهدية، وذلك حين أمرهم أنيحلوا من حجهم ـ في هذا الحديث ".
فمدار هذه الزيادة على محمد بن بكر البرساني، أفترانا ندع أحاديث أكثر من عشرة من الصحابة رووا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون تلك الزيادة، وندع أيضاً رواية العدول والمشاهير عن جابر ـ مجاهد وعطاء ومحمد بن علي بن الحسين ـ الذين هم أشهر من أبي الزبير المكي وأقوى وأوثق منه لرواية أبي الزبير.
هذا لولم يرو عن أبي الزبير إلا من هذا الطريق المشتمل على تلك الزيادة، فكيف وقد رواه عن أبي الزبير المكي جماعة أئمة وهم مالك بن أنس والليث بن سعد ومطرف وأبو خيثمة وسفيان بن عيينة في آخرين عارياً من تلك الزيادة ووارداً رواية مجاهد وعطاء ومحمد بن علي بن الحسين،متفقاً ذلك كله مع أحاديث من أسلفنا أسماءهم وأحاديثهم.
أفنترك هذا كله ونأخذ بماانفرد به محمد بن بكر الذي أحسن أحواله أنه صالح الحديث ومخرج له في الصحيحين، وهذا وأمثاله لا يبلغ به إلى مرتبة أدنى واحد من الثقات الأثبات في هذا الشأن من رواة هذا الحديث عن أبي الزبير، فضلاً عما فوقه من الثقات ممن هم أكبر وأشهر من هؤلاء عن جابر، فضلاً عن أحاديث جماعة الصحابة التي أسلفنا ذكرها.
فثبت بذلك فردية هذه الزيادة فردية تمنع الاحتجاج بها، لا سيما وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج إلى العمرة قضية واحدة لا تعدد فيها حتى يرام الجمع بينها وبين تلك الأحاديث بغير ما ذكرناه.
وهذا يشبه حديث أبي هريرة المرفوع في ذكر الغر المحجلين بالنسبة إلى قوله في الحديث:" فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " فإنها ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي مدرجة من قول أبي هريرة رضي الله عنه نفسه، واستدل علماء الحديث على ذلك بأن أصل حديث الغرة والتحجيل رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة تسعة نفر من الصحابة رضي الله عنهم لم تذكر هذه الزيادة في رواية واحد منهم، ورواه عن أبي هريرة غير نعيم المجمر تسعة أنفس لم يذكر واحد منهم هذه الزيادة في حديثه عن أبي هريرة،وإنما انفرد بها عنهم نعيم المجمر.
" الوجه الثالث ": أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمر أولئك الصحابة بأن يذبحوا حين حلوا من عمرتهم وقبل يوم النحر لسارعوا إلى الذبح كما سارعوا إلى لبس الثياب والطيب ومجامعة النساء، ولو فعلوا لنقل إلينا، فإنه مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقل علم بذلك بطلانه.
وأما" الحديث الثاني ": وهو ما أخرجه الحاكم، فليس فيه حجة على جواز التقديم من وجهين:
" أحدهما " أن هذا الحديث لا يخالف ما دلت عليه أحاديث الباب، فنه اشتمل على أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الصحابة رضي الله عنهم بعدة أوامر (أحدها): فسخ الحج إلى العمرة.
(الثاني): أمره من وجد الهدي منهم أن يهدي. (الثالث): أمره من لم يجد هدياً بأن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله. ولا يلزم من كونه أمرهم بذلك أن يكون الذبح قبل يوم النحر، كما لا يلزم من قول جابر في هذا الحديث:" كنا ننحر الجزور عن سبعة " أن يكون ذلك قبل يوم النحر، كما أنه ليس في قوله: قال عطاء قال ابن عباس:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذ في أصحابه غنماً " إلى آخره ما يدل على أن ذبح سعد للتيس عن نفسه قبل يوم النحر، وذلك لعدم التصريح فيه ببيان الوقت والمكان، وقد جاء فيما رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح ما يبين زمن ذبح سعد لذلك
¥