التيس ومكانه، فقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني عكرمة مولى ابن عباس، زعم أن ابن عباس أخبره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنماً يوم النحر في أصحابه، وقال:" اذبحوها لعمرتكم فإنها تجزي " فأصاب سعد بن أبي وقاص تيساً.
وبهذا انكشفت الشبهة،واتضح أن لا حجة فيما استدل به على ما زعمه.
" الوجه الثاني " أن الحاكم رحمه الله وإن صححه وعلم عليه بعلامة شرط مسلم فإن عنده من التساهل في التصحيح ما هو معلوم عن أرباب هذا الشأن، وقد صحح في " مستدركه" أحاديث ساقطة ولكن قيل في الاعتذار عنه إن تصنيفه للمستدرك كان في آخر عمره، والذهبي رحمه الله لم يصحح هذا الحديث في " التلخيص".
وأما " الحديث الثالث": وهو ما أخرجاه في الصحيحين، عن أنس، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، فبات بها، فلما أصبح ركب راحلته فجعل يهلل ويسبح، فلما علا على البيداء لبى بهما جميعاً، فلما دخل مكة أمرهم أن يحلوا، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياماً ".
(والجواب): أنه لا يخفى على من له أدنى إلمام بالسنة وأحكام المناسك أن هذه السبع المذكورة هن من المائة التي لم تنحر إلا يوم النحر، والمشهور والصحيح المعروف ما في الصحيح من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس يوم النحر انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده، ونحر علي بقيتها. وجاء في أحاديث تفاصيل غير هذا وأُجيب عنها بأجوبة.
قال ابن القيم رحمه الله: والجواب: أنه لا تعارض بين الحديثين، قال أبو محمد بن حزم: مخرج حديث أنس على أحد وجوه ثلاثة (أحدها) أنه صلى الله عليه وسلم لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس، وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين، ثم زال عن ذلك المكان وأمر علياً فنحر ما بقي.
(الثاني) أن يكون أنس لم يشاهد إلا نحره صلى الله عليه وسلم سبعاً فقط بيده، وشاهد جابر تمام نحره صلى الله عليه وسلم للباقي، فأخبر كل منهما بما رأى وشاهد. (الثالث): أنه صلى الله عليه وسلم نحر بيده منفرداً سبع بدن، كما قال أنس، ثم أخذ هو وعلي الحربة معاً فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين،كما غرفة بن الحارث الكندي: أنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ قد أخذ بأعلى الحربة وأمر علياً فأخذ بأسفلها ونحرا بها البدن، ثم انفرد علي بنحر الباقي من المائة كما قال جابر ـ والله أعلم. ا هـ.
من" الهدي النبوي"
فظهر بما تقدم أن كل ما ورد من الأحاديث والروايات في تفصيل ما نحر النبي صلى الله عليه وسلم وما نحر علي منها أنه في يوم النحر.
وأما ما رواه البيهقي في " السنن" عن ابن عمر أنه قال: من اعتمر في أشهر الحج في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة فقد استمتع ووجب عليه الهدي، والصيام إن لم يجد هدياً. فإن هذا من قول ابن عمر نفسه لكن له حكم الرفع، لأن الصحابي إذا قال شيئاً ليس للرأي فيه مسرح ولم يكن ذلك الصحابي يروي عن بني اسرائيل فإنه يكون لما قاله حكم الرفع، وابن عمر لا يروي أحاديث بني إسرائيل، وهذا مما لا مسرح للرأي فيه.
وحاصل هذا الخبر ومدلوله: أن من أحرم بالعمرة في أشهر الحج بأن قال: لبيك عمرة، سواء قال: متمتعاً بها إلى الحج أو لم يقل، وسواء نوى ذلك أو لم ينوه، فإنه متمتع بالعمرة إلى الحج، كما لو نطق بذلك بلسانه ولا فرق، فإذا حج تلك السنة التي اعتمر في أشهر حجها فعليه دم المتعة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإنه داخل في معنى قوله تعالى:?فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ? () وهو أيضاً مدلول أحاديث كثيرة.وفي الحقيقة هذا الخبر أجنبي من الدلالة على جواز تقديم ذبح دم المتعة قبل يوم النحر.
وبما ذكرناه في هذا الفصل يظهر بطلان ما ذهب إليه من جوز تقديم ذبح الهدي قبل يوم النحر، وأنه غلط محض ـ من حيث الرواية، والدراية.
فصل
وقد استدل بعض من كتب في ذلك بعبارات نقلوها عن جماعة من أهل العلم، مستند أولئك الجماعة في ذلك أمران:
¥