الحديث الذي أشار له الشوكاني هو من حديث عائشة قالت دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار في يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أبمزمور الشيطان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد الفطر فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا) أخرجه البخاري و مسلم.
و الحديث فيه فوائد مهمة جدا في مسألتنا هذه:
الأولى: قول أبا بكر رضي الله عنه (أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله ... ) فيه دلالة واضحة أن الصحابة رضوان عليهم كانوا يعلمون حرمة الغناء حتى و إن كان بالدف قبل هذه الحادثة و إلا فكيف عرف أبو بكر رضي الله عنه أن الغناء مزمور الشيطان ثم سعيه لمنع الجواري من الغناء ثم إن أبا بكر رضي الله عنه فهم أن هذه الحرمة على العموم لذا سارع بالإنكار على الجواري و لم يعلم أن هذه الصورة لا تدخل في التحريم حتى بين له النبي صلى الله عليه و سلم ذلك.
الثانية: أن النبي صلى الله عليه و سلم لم ينكر على أبي بكر رضي الله عنه قوله (أمزمور الشيطان ... ) و إنما بين له أنه يجوز في وقت الأعياد الشرعية غناء الجواري بالدف و لو كان قول أبا بكر رضي الله عنه هذا باطلا لبين له النبي صلى الله عليه و سلم ذلك و معلوم فإجماع الأصوليين أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة و هذا وقت حاجة و مع ذلك أقر النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر على قوله.
الثالثة: قوله عائشه رضي الله عنها (و ليستا بمغنيتين) دلالة واضحة على فهم عائشه رضي الله عنها لحرمة الغناء حيث فرقت عائشه رضي الله عنها بين من كان ديدنه الغناء و بين من يغني فقط عند الفرح و لم يكن ديدنا له فحتى المغنيات عند الفرح ظاهر قول عائشه لا يجيز و إلا فما فائدة قول عائشه ليستا بمغنيتين.
الرابعة: قول النبي صلى الله عليه و سلم (يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا) فيه دلالة على إقرار النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر في الإنكار في غير العيد و لو كان قول النبي صلى الله عليه و سلم هذا لا يدل على هذا المعنى لكان عيا و لا فائدة فيه و النبي صلى الله عليه و سلم منزه عن ذلك كيف و قد أوتي جوامع الكلم.
فذكر النبي صلى الله عليه و سلم للعيد وصف مؤثر مناسب للحكم فدلت على أن علة إباحة الغناء بالدف هو العيد و لو عدينا هذه العلة و نقحناها لجاز لنا أن نقول أنه يجوز في الأفراح سواء كان عيد أو غيره الضرب بالدف و هو ما دل عليه حديث الربيع بنت معوذ قالت (جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على صبيحة عرسي فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات لنا يضربن بدف لهن ويندبن من قتل من ابائي يوم بدر الى ان قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعي هذا وقولى ما كنت تقولين) عند ابن حبان في صحيحه و غيره.
و عائشه رضي الله عنها فهمت من الحديث ما فهمنا منه لذا قالت رضي الله عنها (وذلك في يوم عيد الفطر).
لذاك كان إطلاق الشوكاني في قوله السابق غير سديد و يخالف لفظ الحديث مخالفه واضحه و يفهم أن النبي صلى الله عليه و سلم و حاشاه من ذلك يسمع الغناء بالدف في كل وقت من غير تقييد أو تحديد.
و للحديث بقية إن شاء الله تعالى.
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[28 - 06 - 04, 07:00 م]ـ
و أما قول الشوكاني رحمه الله (((ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحرّ، و الحرير، والخمر، و المعازف)) يقول: [و يحتمل أن يكون المراد: يستحلون مجموع الأمور المذكورة، فلا يدل على تحريم واحد منها على الانفراد و قد تقرر أن النهي عن الأمور المتعددة أو ترتيب الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل فرد منها] ص 33
فاحتمال الشوكاني الذي أورده خلاف ظاهر الحديث فالنبي صلى الله عليه و سلم أولا ذكر هذا اللفظ على سبيل الذم ثم ذكر بلفظ الإستحلال و المعلوم من معهود القرآن و السنة لا إصطلاحات المتأخرين أنه متى ما ذكر النهي عن الإستحلال دل على أن ما استحل أصله أن يكون محرما هذا هو الأصل و ما خرج عنه لا يخرج إلا بدليل و هذه حقيقة لغوية قبل أن تكون حقيقة شرعية فاستحل الشئ رأه حلالا.
¥